انتقل مسعود ولد بلخير رئيس التحالف الشعبي التقدمي ورئيس البرلمان السابق حسبما تشير إليه تطورات الساحة المرصودة لحد مساء امس، من وسيط محايد يسعى لجمع أطراف المشهد السياسي الموريتاني حول مائدة الحوار، إلى خصم تتهمه أوساط المعارضة بالتآمر على البلد وبإبرام المقايضات السرية مع الرئيس ولد عبد العزيز الذي يشاع أنه يحضر لتعديل دستوري يمكنه من الترشح لمأموريات أخرى.
وتنشغل الصالونات السياسية الموريتانية بهذه المقايضة، وتركز النقاشات والشائعات على تحليل النشاط الذي يقوم به حالياً رئيس البرلمان السابق باتفاق مع الرئيس حسبما هو مشاع، والذي يتركز حول إطلاق حوار سياسي سريع ذي مصداقية محلية ودولية بالمعارضة إن أمكن أو حتى بدونها.
وقد قطعت المعارضة الشك باليقين فبدأت شد الأحزمة لخوض معركة الدفاع عن الدستور، بما يتطلبه ذلك من مصالحات داخلية بين أطيافها، ومن توحيد للصفوف وتهيئة للخطاب المقنع.
وانتقدت منى بنت الدي القيادية في حزب تكتل القوى في تدوينة ساخنة لها أمس الحراك السياسي لرئيس البرلمان السابق حيث أكدت «أن عزيز ومسعود يخططان، على ما يبدو، للتآمر على موريتانيا مرة أخرى فالأنباء التي تنقل عن مسعود تبين أنه متحمس لحوار جديد مع عزيز رغم أنه ادعى اكتواءه بنار حواره الماضي معه كما تبين أيضاً أنه ليس مستعداً للتنسيق مع المعارضة للوقوف في وجه تغيير الدستور و يدعي في ذلك أن إحساسه ينبئه بأن عزيز لا ينوي تعديل الدستور».
«إحساس مسعود، تضيف القيادية بنت الدي، مهم ومحوري لكن السياسة لا تخاض بالأحاسيس والعواطف، ومصالح الأمم لا تعالج بالأحاسيس حتى ولو كانت تلك الأحاسيس أحاسيس الزعيم مسعود».
وتابعت تدوينتها قائلة «..صحيح أنهما تآمرا على موريتانيا سنة 2007 وأنهما نجحا في الاحتفاظ بالحكم كل من موقعه؛ فمسعود ظل رئيساً لأطول البرلمانات عمراً ومن ثم أصبح رئيساً للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي، وولد عبد العزيز ظل متحكّما في الدولة من ذلك الوقت إلى حد الآن ولكن الظروف تغيرت كثيراً فلم يعد لمسعود تلك المصداقية وتلك المكانة التي كانت عنده وقتها و لم يعد ولد عبد العزيز يقنع أحداً بعدما افتضح حاله وأصبحت حكاياته مع المال والأعمال والفضائح على كل لسان وأصبحت الدولة في عهده كالهشيم وأصبح عهده ناراً يتلظى بها الجميع؛ أظن أن تآمر الرجلين، تضيف بنت الدي، سيكون وبالا عليهما ولله الأمر من قبل ومن بعد».
وفي سياق متصل، تحدث موقع «28 نوفمبر» الإخباري المستقل «عن مقايضة سياسية قائمة على قبول ولد بلخير رئيس البرلمان السابق بتعديل الدستور لإتاحة مأمورية ثالثة للرئيس عزيز مقابل أن ينتخب هو نفسه رئيساً للجمهورية خلال فترة ما بعد المأمورية الثالثة».
وأكد الموقع «أن هذه المقايضة تستهدف تحقيق بعض الأهداف السياسية الآنية مثل سحب البساط من تحت حركة «إيرا» (ناشطة في محاربة الرق واحتل رئيسها الرتبة 2 في آخر انتخابات رئاسية)، والدفع بمسعود إلى دعم تغيير الدستور وبخاصة المواد المتعلقة بسن الرئيس وصلاحياته، وذلك باستغلال حاجة ولد بلخير هو نفسه لذلك حيث أن سنه الحالية لا تسمح له بالترشح للرئاسة التي يطمح للوصول إليها منذ 1992».
وبحسب ما نشره موقع 28 نوفمبر «فإن ولد بلخير تلقى تلميحاً ضمنياً من الرئيس ولد عبد العزيز لهذه المبادرة وهو يعمل بنشاط في ظل تلك التلميحات، مع أن مسعود وفقاً للمصدر نفسه، مازال يعتبر كل ذلك مجرد مناورة من القصر للالتفاف على الدستور والدفع بالمعارضة إلى تغيير الدستور بنفسها».
وتحت عنوان «الحوار السياسي ومتطلبات المرحلة» أكد الدكتور البكاي ولد عبد المالك وزير التعليم السابق أنه لا يعرف ما الذي قاله الرئيس مسعود وما الذي بقي له أن يقول لقادة المعارضة «لكنه يعرف على الأقل جزءاً مما يجب عليه أن يقوله لهم وينصحهم به من واقع خبرته وقلة أخطائه في مسيرته السياسية وكثرة أخطائهم».
وقال «اعتقد أن مهمة ولد بلخير قد توصف بالناجحة إن هو استطاع أن ينتزع من المعارضة الإجابة على اسئلة منها: ما هي البدائل الأخرى عن حوار نفترض جميعاً ومن منطلق أكاديمي محض بأنه ناقص وغير مكتمل الشروط ؟ هل هي الفوضى ؟ أم هو الاستبداد وحكم العسكر بصفة مباشرة ؟».
وأضاف ولد عبد المالك وهو ناشط في صف الموالاة، حاضا المعارضة على التوجه للحوار «سياسة الكرسي الفارغ والهروب إلى الأمام سلبية وقد أدت في الماضي إلى ما أدت إليه وقد دفع الجميع ثمنها وهي انتحار سياسي وعجز مضاعف في الرؤية الاستشرافية وفي قراءة الواقع بشكل جيد ولا أعتقد أن بعض الأطراف في المعارضة مستعدة لإعادة ذلك السيناريو مرة أخرى والوقوع في نفس الأخطاء بالتعويل كعادتها على ردة فعل المجتمع الدولي ويستمر بذلك مسلسل إهدار الفرص الواحدة تلو الأخرى».
على هذا النحو تتفاعل الساحة السياسية الموريتانية هذه الأيام بين نظام يسعى لتنظيم حوار يوصله لمآربه في المديين المتوسط والطويل وهي المآرب المركزة على البقاء في السلطة أطول وقت ممكن، ومعارضة فهمت اللعبة وبدأت شد أحزمتها لمواجهة أوضاع شبيهة بأوضاع ما بعد انقلاب 2008 حيث أنها تجمعت ذلك التاريخ في جبهة للدفاع عن الديموقراطية وهي اليوم تحاول التجمع في جبهة، لكن للدفاع عن الدستور هذه المرة.
«القدس العربي»: