(الإعلام نت):
أميمة منت الداه، سيدة تقطن في ضواحي مدينة نواكشوط، مع زوجها المصاب بالفشل الكلوي، و ابنهما الوحيد الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره.
تمتهن أميمة إعداد وبيع الشاي في سوق الهواتف المعروف محليا ب"النقطة الساخنة"، وقد عاشت ظروفا وصفتها بالقاسية خلال ظهور فيروس كورونا، خاصة أنها كانت المسؤولة عن إعالة الأسرة الصغيرة.
تقول أميمه:
"قبل 7 سنوات، امتهنت إعداد وبيع الشاي بعد إصابة زوجي بالفشل الكلوي، وكانت هي المهنة الوحيدة المتاحة لي من أجل التكفل بأمور الأسرة، وحين ظهر فيروس كورونا في البلاد، وقررت السلطات إغلاق الأسواق وفرض حظر التجوال لمنع تفشي الوباء، تفاقم الوضع المأساوي لدينا، ولم أجد أي وظيفة أخرى خاصة أنني امرأة.
بعد أسبوع واحد من قرار السلطات القاضي بفرض حظر التجوال، نفدت جميع مدخراتي، وأصبحت في أصعب ظرف مر علي في حياتي ، نظرا لأنني المسؤولة الأولى عن التكفل بزوجي المريض، وابني الوحيد الصغير."
وتضيف بنت الداه:
"حين اشتد الأمر علينا، أخبرت عائلتي بالأمر كما فعل زوجي، وبدأت العائلتان بتوفير المصاريف اليومية لنا، ومع ذلك كان يساورني شيئ من الحرج نتيجة ذلك، لأنني متعودة منذ سنوات على تدبر أمور الأسرة مهما كانت الظروف، باستثناء ظرف الجائحة."
تدخل العائلتين خلال تلك الظرفية، أزاح شيئا من أعباء المسؤولية عن أميمة، لكنه في الوقت ذاته، انعكس سلبا، حين بدأ حس المسؤولية لديها في التلاشي، كما أنها وجدت صعوبة في الاستفاقة من مخلفات الجائحة، بعد فتح سوق الهواتف.
تقول أميمه:
"كانت اللحظة الأصعب بعد الجائحة، هي العودة والتكيف من جديد مع العمل، فقذ أمضيت نحو شهرين في حالة من عدم الاستقرار المهني، لأنني كنت أحتاج مالا يؤمن لي العودة بشكل نهائي، ولم يتحقق ذلك إلا بتدخل من عائلتي مرة أخرى.
الآن يسير عملي بشكل طيعي، ولدي زبناء رسميين في هذا السوق الكبير أبيعهم الشاي يوميا، فضلا عن مرور بعض المارة والمتبضعين بين الفينة والأخرى."
وتضيف أميمه:
"ماكنت أجنيه من الشاي، تقلص بعد ظهور كورونا رغم عودة وتيرة العمل إلى طبيعتها، فقد كنت أجني 7 آلاف أوقية أوثمانية صافية يوميا، أما الآن، فيترواح الدخل اليومي بين خمسة و ثلاثة آلاف أوقية فقط."
سوق الهواتف الذي يضم مئات المحلات التجارية، وفر العديد من الفرص للنساء، ولأن الشاي طقس يومي في حياة الموريتانيين، توجه أغلبهن إلى إعداده وبيعه، وحين أغلق السوق خلال تفشي كورونا، تجرعن بدورهن مراة الجائحة مثل أميمة، وإن كانت ظروفهن مختلفة
جميلة بنت لمرابط سيدة تبيع الشاي في هذا السوق منذ سنوات، وقد تضررت هي الأخرى جراء الوباء العالمي.
تقول جميلة:
"لقد كنت معيلة مع زوجي لأبنائي من خلال بيع الشاي، حين أغلقت السلطات الأسواق نتيجة لظهور الوباء، وحين فرضت علي الإجراءات الاحترازية الجلوس في البيت، بدأ وضعنا يزداد صعوبة يوما بعد يوم، لأن رب الأسرة أصبح وحده المسؤول عن توفير القوت اليومي للأسرة,
قلص حظر التجول الليلي من ساعات العمل لدى زوجي، وهو ما يعني تقلص دخله اليومي من الأعمال الحرة، الأمر الذي جعلنا نعيش فترة صعبة، خاصة أن لدينا عدة أبناء، وأغلبهم أطفال."
وتضيف جميلة :
"كوفيد 19، أثر علي نفسيا بعد شهرين في البيت من دون عمل، فأنا متعودة منذ 8 سنوات على الذهاب إلى العمل كل صباح، ولا أعود إلى المنزل إلا قبل المغرب بلحظات، سبب لي البقاء في البيت نوبة حادة من الاكتئاب، ومزلت حتى الآن مثقلة من بعض مخلفاته، خاصة على الصعيد المادي."
باعة الشاي، ربما كانوا الأكثر عرضة للخسارة، حتى قبل فترة الإغلاق، فحين بدأ رعب الجائحة ينتشر قبل التفشي، عزف الناس شيئا فشيئا عن شرب الشاي في الأماكن العامة خوفا من العدوى.
محمود ولد امبارك، صاحب محل لبيع الشاي على حافة الطريق قرب سوق العاصمة الكبير، ونظرا للطريقة التي استحوذ بها على الحيز الترابي، يتعرض لمضايقات من البلدية أحيانا، والتي غالبا ماتكلفه غرامة مالية، لكن ذلك مجرد نقطة على الهامش مقارنة مع ما كبدته جائحة كورونا من خسائر.
يقول ولد امبارك:
"بعد ظهور أول حالة من فيروس كورونا في البلاد، خسرت نسبة 50% من زبنائي الذين كان أغلبهم أصحاب سيارات الأجرة، وبدأ الناس يعزفون عن أحاديث الشاي الصباحية اليومية لدى محلي، ولم يعد يرتاده إلا بعض المعارف القدامي، وقليل من مدمني هذه المادة.
أصبحت أجني 3 آلاف أو ألفين أوقية فقط في اليوم، وهذا هو المبلغ الذي أنفقه على تجهيزات الشاي عادة، ورغم ذلك كنت مستمرا في ممارسة مهنتي على أمل أن تنقشع هذه الأزمة."
ويضيف ولد امبارك:
" بعد ظهور عدة حالات من الفيروس في البلاد، دخل المحل في حالة ركود تامة بعد عزوف جميع الزبائن باستثناء شخصين أو شخص واحد، وكان الخوف من العدوى هو السبب الرئيسي لذلك، ونتيجة لذلك كنت أمضي أكثر من 3 أيام دون أن أجني فلسا واحدا، مما جعلني أجد صعوبة في إيجاد مصاريف النقل اليومية، وتوفير مصاريف القوت اليومي لعائلتي، خاصة أنني كنت المسؤول عن ذلك.
حين قررت السلطات إغلاق سوق العاصمة ومنع التجمعات لاحتواء الفيروس، تفاقم الوضع الصعب لدي، ووصل منسوب الإحباط لدي إلى أعلى درجة، ولم يكن لدي خيار سوى الجلوس في البيت.
الآن، أعمل بشكل بطيعي، لكن مازلت أسدد بعض المستحقات المالية التي أجبرتني مقتضيات الجائحة على استدانتها من عند بعض المعارف."
مخلفات الجائحة، لم تقتصرعلى الأضرار المؤقتة فحسب بالنسبة لباعة الشاي، فقد وأدت بعض المشاريع بشكل نهائي مثلما حدث مع بلال ولد علي الذي باغتته بعد شهرين من العمل في هذا المجال.
يقول بلال :
"بداية 2020 أتيت لمدينة نواكشوط للعمل في إعداد وبيع الشاي عند محطات نقل المسافرين في محل عمي الذي أصبح شيخا كبارا، وقبل أن استقر في هذا المجال، باغتتني جائحة كورونا التي أدت إلى منع السفر بين الولايات، مما جعل عمي يغلق المحل بشكل مؤقت.
وبعد انقشاع الموجة الأولى من الجائحة، حاول عمي العودة مجددا إلى محله القديم، لكن الديون حالت دون ذلك، فلم يعد بمقدوره توفير راتبي، وتجهيز المحل من جديد.
حاولت أن أجد عملا آخر، لكن ذلك لم يتسن لي، خاصة أنني شخص غريب على المدن، ولا أجيد شيئا سوى صنع الشاي الأخضر."
تداعيات كوفيد 19 الاقتصادية والاجتماعية، كانت كبيرة بشكل كبير على المستوى الوطني ، وخاصة أصحاب المهن غير الرسمية، الذين تكبدوا خسائر فادحة، كما أنهم يجدون صعوبة في التعافي من آثارها.
حمن يوسف
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.