
(الإعلام نت):
السالمة سيدة تسكن أحد الأحياء العشوائية الموجودة على أطراف العاصمة نواكشوط،وهي أم لثلاثة أولاد أدرك والدهم الأجل المحتوم قبل أربع سنوات،وقد فقدت عملها مع ظهور الوباء العالمي في موريتانيا،وتتحدث عن الأمر قائلة:
"في الوقت الحالي لا أمارس أي عمل،ولا علم لي بأي أحد قد يوفر لي مصاريف الحياة اليومية،ومصدرنا الوحيد هو بعض الأعمال التي أمارسها بين الفينة والأخرى،من قبيل غسيل الثياب،رغم ما يتطلبه ذلك من جهد،وبهذه المناسبة أتمنى لفتة من الدولة مع العلم أن أي مساعدة لم تصلنا حتى اللحظة".
بفضل من تصفهم أصحاب الأيادي البيضاء تمكنت السالمة من تسجيل ابنها الأكبر في المحظرة الوحيدة بالحي،الأمر الذي جعلها أكثر حظا من جارتها التي تقطن غير بعيد اميمه محمد،وهي المعيلة الوحيدة لأسرة تتكون من خمسة أشخاص،ويسكنها الخوف من انقطاع تعليم ابنها الأكبر الذي قطع شوطا طويلا في التحصيل المعرفي حيث تقول:
"كنت أُدرس أبنائي في مدرسة خصوصية،لكن مع ظهور كورونا تأثرتُ من تبعاته التي شملت مناحي الحياة،لذلك فقد انقطع تعليمهم الدراسي،وحتى الآن هم في المحظرة لكنني عاجزة أيضا عن تسديد الرسوم،ونرفع للدولة مطالبنا المتمثلة في المساعدة فنحن في أمس الحاجة لذلك".
إن حجم ما خلفه الوباء العالمي ترجعه هاله ببانه مديرة مركز مهارة للتدريب والاستشارات لعديد الأسباب من قبيل غياب ثقافة الادخار حيث تقول:
"لو أننا نعتنق فكرة الادخار بصرف النظر عن طبيعة ذلك الادخار،لكانت تأثيرات كورونا مختلفة،غير أن عدم الاكتراث بما يسمى "إدارة المخاطر والأزمات" التي تقتضي أخذ الحالات الطارئة بعين الاعتبار،أسهم بشكل كبير في تعميق الأزمة الاقتصادية".
في موريتانيا لم يكن عمل المرأة محل ترحيب حتى وقت قريب،غير أن ارتفاع نسبة المطلقات خلال السنوات الماضية أحدثت التغيير،إلى جانب دورة الزمن التي حملت معها عقليات جديدة،وإن كانت العقلية العامة تؤمن بعجز المرأة عن ممارسة بعض الأعمال وقدرة الرجل،رغم الدعوات الرامية لتأكيد قدرة المرأة على ممارسة أي عمل بصرف النظر عن طبيعته،مثلها مثل الرجل تماما،الرجل الذي يبدو أنه كان أكثر حظا عندما أسهم الوباء العالمي في بطالة الكثير من العمال،كالداه وهو من الشباب الذين احتضنهم الميناء منذ سن مبكرة،حيث كان يعتمد في مصدر رزقه على حمل البضائع القادمة من وراء البحار،وقد وجد نفسه بحسب قوله في موقف صعب عندما دعت الإجراءات الاحترازية لشل حركة الكثير من الأنشطة،الأمر الذي جعله يبحث عن عمل جديد ولم يلبث الأمر طويلا حيث يقول:
"تمكنت بواسطة أحد المعارف من العمل مع أحدهم منحني سيارة للأجرة،بعد أن اتفقتا على تسليمه كل غروب مبلغ خمسة آلاف أوقية(14دولار) من الدخل اليومي،وهذا العمل الجديد الذي أعمل فيه حتى الآن رغم عودة الحياة لطبيعتها تدريجيا لا يتطلب مني جهدا كبيرا كالذي يتطلبه حمل البضائع،و بواسطته تمكنت من توفير لقمة العيش بارتياح،ولا أفكر في التخلي عنه في المستقبل القريب".
الباحث الاجتماعي محمدو أحمد يتحدث عن خطورة بطالة النساء قائلا:
"فرض كوفيد 19 تحولات اجتماعية واقتصادية كان لها أثرا كبيرا في توقف الأنشطة خاصة الاقتصادية،وذلك بفعل الإجراءات الوقائية التي فرضت نفسها على الناس،لذلك فالوباء زاد نسبة البطالة بين الجنسين وبشكل خاص بين صفوف النساء،وهو ما يمكن تفسيره بتوقف أعمالهن في المجمل،وهي أعمال خفيفة نالت النصيب الأوفر من التأثير،وهذا يطرح اشكالا كبيرا،ففي علم الاجتماع هناك مقولة تقول بأن وجود الاستقرار والتنمية يتطلب عمل المرأة ومشاركتها الفعالة في البناء".
إن الإجراءات الاحترازية التي فرضها فيروس كورونا قطعت رزق الكثير من العاملات الموريتانيات،وبشكل خاص الأعمال البسيطة اليومية،كفاطمة التي تعمل منذ سن المراهقة في المنازل،حيث تطبخ وتنظف بأجور تتراوح بين 25 و30 ألف أوقية قديمة ( 70 إلى 83 دولار) وقد وجدت نفسها حسب قولها عاطلة عن العمل بعد ظهور كورونا وانتشاره في موريتانيا وتضيف:
"في الأيام الأولى من الفيروس وما رافق ذلك من وجل وخوف من الإصابة،أصبحت أمام أن أختار العمل وأبقى في منزل أصحابه دون الخروج،أو أن أترك العمل بشكل نهائي،ولاستحالة الخيار الأول نظرا لعائلتي وأطفالي فقد أصبحت بلا مصدر رزق،وكانت الأيام الأولى من الصعوبة بمكان،ولم أعثر على عمل آخر إلا بعد مرور مدة".
إن ارتباط كورونا بالبطالة لا يجعل هالة تنسى النصف الآخر من الكأس حسب تعبيرها حيث تقول:
"كوفيد 19 لم يكن تأثيره بذلك القدر من السوء تماما على النساء،فإذا كانت فئة تأثرت وأصبحت بلا عمل ولا دخل،فإننا نجد في الجانب الآخر فئة عريضة قد استطاعت أن تخلق مشاريعها الخاصة التي توائم الظرفية الصحية،حيث ازدهرت المشاريع التي تقدم خدمات من بعد ووفرت دخلا لا بأس به،وقد ازدهرت هذه المشاريع وزاد عليها الطلب ودخلت بقوة حياة الموريتانيين،والطلب على الخدمات التي يقدمها أصحابها في ازدياد".
محنة الوباء العالمي من المحن التي شلَّت مختلف الاقتصاديات في مختلف الدول،ورغم السياسات الرامية لتخفيف وطأته فإن جراحه ربما لن تندمل في القريب العاجــل.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.
.jpg)



