الإعلام نت - مقالات: ينتمي صاحب المعالي محمد فال ولد بلال لجيل ما قبل " النكته"، أي جيل الساسة المثقفين أو المثقفين الساسة.
يتميز هذا الجيل باحتفاظه بما يعرف بالذاكرة السلوكية، وهي ذاكرة يمتاز أصحابها بيقين الإنسان قبل الألقاب.
فما بعد "النكتة" أصبحنا في مواجهة أشد شراسة وإرهاقا من مواجهة المأساة، لقد أصبحنا في مواجهة دائبة مع فرق الأداء المسرحي.
فقد أصبح حديثنا عن المسؤولين أكثر من حديثنا عن المسؤولية.
وانشغلنا عن الرسالة والفكرة في مناقشة السيناريو والديكور، وأصبحنا نهتم لهيئة البطل أكثر من مؤهلات البطولة.
كل ذلك حدث بعد " النكتة" الأولى وما تلاها من صخب التهريج.
لا يمكن تصديق ما حدث، فقضية الشعب تندب حظها العاثر بين يدي ساسة " ما يطلبه المستمعون" وكل الإهداءات والإحصاءات كانت لعيون " التي تعرف نفسها" أما التي نعرفها فلم تعد حتى بخفي حنين.
أحدهم يصف الأزمة العالمية ب" الهزمة العلمية" تحت القبة التي أصبحت حبة ( البرلمان).
دعونا نرجع لسيني..
تحدث معالي الوزير عن شخصيات حول " سيني " لكنني - ولأول مرة - كنت سعيدا لعدم فهم "سيني" التي يقصد معاليه.
قد يكون الأمر ناتجا عن صغر مرآتي داخل فلك المثقف والدبلوماسي الكبير، ولكنني خشيت أن أكون وقعت في فخ نصبه معاليه لقرائه.
وفي كل الأحوال لا تزال رغبتي جامحة لعدم فهم أي " السينيين" كان يقصد لأنني وجدت لذة بالغة في هذا الشتات بين عالمين، أحدها مطبخ لمجتمع السلطة والآخر مطبخ لمجتمع الفقر.
هناك سلطتان مستقلتان إحداهما تحت إمرة رئيس اللجنة والأخرى تحت إمرة " أيسى لو".
وحول كل منهما شخصيات وشخوص وأشخاص.
لا تهتم " أيسى لو " للوجوه العابرة في الطابور كل يوم ، فهي تدرك غايتها وتدرك غاية الطابور أمام مطعمها المتواضع.
لست أدري أيهما يشبه الآخر، أهي تشبه الرئيس أم أنه يشبهها، فهو يمارس الحياد حيال " الطبخة" فلكل منها نصيبه والرئيس أيضا يدرك غاية الطابور أمام " سينيه" .
الانتخابات موسم تزاحم على المنافع الكبرى، تماما كالظهيرة بالنسبة لمطعم " أيسى لو".
مجتمع الفقر مهتم بسيني ومجتمع السلطة مهتم بسيني، وكلاهما يزاحم وقت الذروة عند " سينيه" والغاية واحدة.
لا يمكن لأي من رواد المطعم أو اللجنة أن يدعي أن ما قاده للطابور هو الشغف، فكل من في الطابورين يدفعهم النهم .
ليس غريبا أن تجد سياسيا مثقفا من العصر الذهبي يخرج من سيني ( اللجنة) ليطلب سيني ( الوجبة)، فالسلوك يرمز لمرحلة ما من التاريخ كان الساسة فيها يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
أما ساسة عصر " النكتة" فلا يحبون أن يراهم الناس حيث الناس، فالاختباء سنة نفسية للذين يخافون من يعرفهم، فابن الخطاب لم يكن يحتاج للتواري خلف الجدران والحرس، ولا أخذته الصدفة أو القبيلة إلى المنصب.
اضطرت سيني ( اللجنة) لتغيير قوانينها وقادتها مرات ومرات، ومع ذلك تسببت في الكثير من " الهزمات" وأتت ب" الذي يعرف نفسه" والذي لا يعرفها، إلى قبة البرلمان ، بينما ظلت سيني ( الوجبة) محافظة على صرامتها للوصول للذين يقفون بانضباط في الطابور ويدفعون ذات الثمن ويحصلون على ذات الحق و حصرا .
لا شك أن ولد بلال كان قاسيا على سيني حين غادرها وهو يحتفي بجاراتها وجيرانها.
وفي الأخير، دعوا محمد فال ولد بلال يكمل بقية مشواره كمثقف من الجيل الذهبي، يتأمل الشارع ولا يؤذي المارة.