أدت انتقادات وجهها سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا أمس للمعارضة الى تسخين خطوط التجاذب داخل الساحة السياسية الموريتانية المتوترة أصلاً والمشحونة بقضية تعديل الدستور لتجديد مدد الرئاسة.
فقد أكد رئيس الحزب الحاكم في كلمة وجهها أمس لجمع من شباب الحزب، «أن المعارضة الموريتانية تضم مجموعة من السياسيين المتقاعدين العجزة الذين حكموا البلد في الماضي وفشلوا في أن يحققوا له أي شيء».
وقال موجهاً كلامه للشباب الحاضرين «لا تقبلوا بأن تجركم المعارضة الفاشلة لمعركة غير معركتكم؛ فالمعارضة تنظر للماضي ونحن ندعوكم لاستشراف المستقبل».
وأضاف رئيس الحزب الحاكم قائلاً «على المعارضة أن تجيب عن سبب مقاطعة الشعب لها في مهرجاناتها التي نظمتها مؤخراً في الداخل وعلى مستوى العاصمة؛ فالمعارضة، حسب قوله، لا مصداقية لها».
وقال «على الشباب ألا يقبل بخطاب اليأس والتقنيط الذي تدعو له المعارضة؛ فالمعارضة، يضيف ولد محم، حكمت سنوات طويلة وكانت وقود الأنظمة لكنها لم تسد أي خدمة للشباب فلا هي شيدت الجامعات ولا هي هيأت معاهد التكوين ولا هي، حسب تأكيده، خلقت فرص العمل بل إنها المسؤولة عن البطالة اليوم لكونها كونت متخرجين في تخصصات غير مدروسة لا تستجيب لسوق العمل».
وتوقف رئيس الحزب الحاكم مطولاً عند إنجازات الرئيس محمد ولد عبد العزيز فأكد «أن ما حققه الرئيس الموريتاني خلال السنوات الخمس المنقضية لم يتحقق في موريتانيا خلال الخمسين سنة الماضية».
ويأتي هذا اللقاء وهذه التصريحات رداً من الحكومة على الانتقادات الشديدة التي وجهتها المعارضة لنظام الرئيس ولد عبد العزيز خلال المهرجانات التي نظمتها خلال الأسابيع الماضية.
وتؤكد المصادرالمتابعة لهذا الشأن «أن الحكومة تعد حالياً لرد على مهرجانات المعارضة عبر تجمع شعبي ضخم سينظم مستهل أيار /مايو المقبل في مدينة النعمة عاصمة الشرق الموريتاني بحضور الرئيس ولد عبد العزيز وكبار معاونيه وحشود من أنصاره».
ولم تستبعد المصادر «أن يكون هذا التجمع منطلقاً لمطالبة شعبية بتعديل الدستور لتمكين الرئيس من الترشح لولايات رئاسية أخرى».
وفيما تشتد حرب المهرجانات بين الحكومة والمعارضة، أعلن مسعود ولد بلخير رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئيس البرلمان السابق، عن بدئه وساطة بين الأغلبية والمعارضة في مسعى لإطلاق حوار جديد.
وأكد ولد بلخير الذي لزم الصمت طيلة الشهر الماضية، في تصريحات لأسبوعية «لوكلام» أمس «أنه سيبدأ اتصالات بجميع أطياف المشهد لإقناع الجميع بالعودة للتمهيد الجاد لحوار ينهي حالة التأزم».
وحسب مصادر مقربة منه، فقد بدأ ولد بلخير هذه الوساطة بعد لقاء جمعه قبل أيام بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، تلته لقاءات له مع أطراف أخرى في المعارضة بينها الرئيس أحمد ولد داده الذي يقود جناحاً في المعارضة الراديكالية يرفض أي حوار مع نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز غير موثق بمحاضر موقعة من الطرفين.
وتساءلت صحيفة «لوكلام» في تعليق لها على تصريحات ولد بلخير «عما إذا كان مسعود قد وجد ضمانات من القصر الرئاسي تجعله يستأنف وساطته المتواصلة منذ 2011 لتنظيم حوار جاد وشامل، كما تساءلت الصحيفة عما إذا كان ولد بلخير سينجح في إقناع المعارضة بالتوجه للحوار وفي إقناع النظام بتقديم تنازلات حقيقية تعيد ثقة معارضيه فيه».
يذكر أن هذه الوساطة تأتي أياما بعد إعلان المعارضة إيقافها لجميع أشكال الاتصال مع حكومة الرئيس محمد ولد عبد العزيز احتجاجاً على تصريحات ألمح فيها وزراء العدل والمالية قبل أيام لاحتمال تعديل الدستور الموريتاني لتمكين الرئيس من الترشح لولايات إضافية.
وتمر موريتانيا حالياً بحالة احتقان سياسي غير مسبوق حيث أن الرئيس الموريتاني وأنصاره يواجهون موقفاً صعباً يتعلق باحتمال مساءلتهم إذا هم غادروا السلطة في انتخابات عام 2019، عن ملفات مالية وحقوقية وسياسية محرجة، وهو ما يدفع بهم حالياً للبحث عن مخارج دستورية وقانونية تمكن الرئيس الحالي من الترشح لولايات أخرى.
ومقابل هذا الموقف تجد المعارضة الموريتانية في حيثيات الدستور الناص على دورتين اثنتين ضمانة لتخلصها من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تعتبره منبثقاً في الأصل من انقلاب عسكري كما تعتبر تسييره للبلاد تسييراً كارثياً.
وتركز المعارضة اهتمامها بالحفاظ على الدستور بصيغته الحالية إلى أن تجري في ظله انتخابات 2019 التي تريدها المعارضة انتخابات حقيقية تقطع الطريق أمام مرشحي السلطة أو مرشحي الجيش بحيث تعود موريتانيا بعدها للسكة الديمقراطية الصحيحة التي حادت عنها بعد انقلاب 2008.
وينقسم معارضو الرئيس لفسطاطين أحدهما يريد ضمانات لإجراء انتخابات 2019 في جو من الشفافية بدون ترشح الرئيس الحالي مع قيام خلفه بمحاكمته على جميع تصرفاته وسياساته، والثاني يريد أن يقايض الرئيس بضمان عدم مساءلته مقابل أن يغادر السلطة وأن يبتعد عن التأثير على انتخابات 2019.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه عام 2008 وأطاح فيه بالرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ودخلت موريتانيا إثر ذلك أزمة سياسية بين المجلس العسكري الأعلى والجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية استمرت إلى أن تمكنت وساطات دولية من التوصل لاتفاق وقع في داكار في حزيران/ يونيو 2009.
ونظمت انتخابات بموجب اتفاق داكار في تموز /يوليو 2009 أسفرت عن نجاح محمد ولد عبد العزيز لكن المعارضة شككت في نتائجها.
وأعيد إنتخابه رئيساً للبلاد عام 2014 في انتخابات رئاسية قاطعتها المعارضة وجرت في أجواء غير مسبوقة من الاحتقان السياسي بين النظام والمعارضة
نواكشوط – «القدس العربي»: