(الإعلام نت):
في أحد أحياء العاصمة نواكشوط، افتتح محمد نافع عبد الله، بقالة قبل شهرين، بحثا عن الاستقرار المالي، بعد سنوات من خوض غمار ريادة الأعمال، في الدول الإفريقية.
يمارس نافع عبد الله مهنته الجديدة مكرها، بعد أن قلب ظهور جائحة كورونا موازين عائداته الاقتصادية رأسا على عقب، وأصبحت مداخيله المالية ضئيلة مقارنة مع عائدات توريد الأسماك إلى دول القارة السمراء، وتحديدا دولة الغابون.
يروي نافع عبد الله متحسرا تجربته مع توريد الإسماك من موريتانيا إلى الغابون فيقول:
"في عام 2019 توجهت إلى الغابون قادما من أنغولا للتوسع في التجارة، وحين وصلت، اتفقت مع أحد الشركاء على توريد الأسماك من موريتانيا إلى الغابون، وكانت الأجواء حينها ملائمة لخوض هذه التجربة الجديدة.
بعد عشرين يوما نجحت في بيع حاويتين من السمك، وقد حققت لي أرباحا طائلة لم تكن متوقعة تقدر بنحو 15 آلاف دولار، أي ما يعادل أكثر من 4 ملايين أوقية قديمة."
ويضيف نافع عبد الله:
"بعد بيع الحاويتين، قررت الاستمرار في هذا المجال، وكانت الأمور تسير على مايرام، وفي منتصف الشهر الثاني من عام 2020، عدت إلى موريتانيا للإشراف مباشرة على عملية توريد السمك.
بعد شهر على عودتي إلى موريتانيا، ظهر كوفيد 19 في البلاد، وبدأت السلطات في اتخاذ الإجراءات الاحترازية لاحتواء الجائحة، قررت إغلاق العاصمة نواكشوط، وعلقت الرحلات الجوية، الأمر الذي شكل ضربة قاسية بالنسبة لي ولشركائي، توقفت عملية توريد الأسماك، وأصبحت أنتظر المجهول."
جائحة فايروس كورونا، جعلت نافع عبد الله يتفرق شيعا في مناكب المهن الحرة، والتي لم يكتب لها النجاح حسب تعبيره، وأصبح من رجل كان يجني الملايين في أقل من شهر، إلى عاطل عن العمل يبحث عن أي مصدر دخل، حتى انتهى به المطاف بقالا.
يقول نافع عبد الله:
"خلال فترة الإغلاق توقفت جميع مداخيلي المالية، وقررت فتح مغسلة للملابس في نواكشوط استسلاما للواقع، كانت وتيرة العمل تسير ببطء، ونجحت في اكتساب بعض الزبائن، لكن العائدات المالية، لم تستطع تغطية رواتب العمال، وبعد أشهر،توقف المشروع دون أن يحقق المأمول."
ويضيف نافع عبد الله:
"بعد ذلك قررت خوض غمار التنقيب عن الذهب، أخذت كل ما تبقى لدي من مال متوجها إلى منطقة "شكات" قرب الجزائر بحثا عن المعدن النفيس.
أمضيت عاما في المنطقة، دون أن أحصد ثمار التعب.
بعد ذلك أقنعني بعض الأصدقاء، بالتنقيب قرب الصحراء الغربية في منطقة محظورة، وحين بدأنا المغامرة، باغتنا قصف جوي من القوات المغربية، أسفر عن مقتل سبعة أشخاص من رفاقي، أجرينا اتصالات على ذوي النفوذ من أجل إنقاذنا، وهو ما تحقق بفضل تدخل من الأمم المتحدة.
بعد الحادثة المأساوية، عدت إلى نواكشوط، واقترضت مالا من عند أقاربي افتتحت به بقالة لأستقر فيها مؤقتا."
نافع عبد الله، ليس المورد الموريتاني الوحيد الذي تكبد خسائر جراء جائحة كورونا، وإن كان الأكثر تضررا.
محمد الأمين ميلود رجل أعمال موريتاني مقيم في الغابون، يعمل في استيراد الأسماك من موريتانيا منذ عشرين عاما، وحين باغتته جائحة كورونا تقلصت أرباحه بشكل كبير رغم توسعه في عدة مجالات أخرى.
يقول محمد الأمين ميلود:
"كنت أعمل في توريد الأسماك من موريتانيا إلى الغابون منذ عقدين من الزمن، وكان المعدل الإجمالي للأرباح، يتراوح بين 25% و 35 %، وهي نسبة ممتازة بالنسبة لي خاصة في هذا المجال.
وحين ظهر فيروس كورونا، بدأت الأرباح تتقلص بوتيرة مسرعة، تأثرا بالإجراءات التي اتخذتها سلطات الغابون، والتي تتمثل في حظر التجوال."
ويضيف الأمين ميلود:
"بعد فترة من ظهور الجائحة، أصبحت خسائري تقدر بنسبة 45% وهي خسائر فادحة، تكبدتها في جميع المجالات على غرار توريد البصل والثوم إضافة إلى تجارة الأخشاب.
مخلفات الجائحة فرضت علي تقليص تكاليفي المعيشية اليومية والشهرية، من أجل تعويض الخسائر، وهو ما أتعايش معه حاليا رغم مرور عامين عليها."
تأثيرات الجائحة لم تقتصر على خسائر موردي الأسماك فقط، فقد تجرع حمالة السمك مرارتها بالإضافة إلى الباعة الذين سرح أغلبهم، نتيجة إغلاق المعابر البحرية.
محمد الأمين ولد الإمام، يعمل في أحد المحلات التابعة للموردين لبيع السمك، كان قبل الجائحة يتقاضى راتبا يقدربنحو 300 دولار مقابل 11 ساعة في اليوم رفقة آخرين.
وفي آواخر شهر مارس من عام 2020، بدأت تبعات الجائحة تلقي بظلالها على محلات الموردين، ليسفر ذلك عن تقليص في الرواتب، وفي العمال.
يقول ولد الإمام:
"عملت في بيع السمك منذ قدومي من موريتانيا إلى الغابون، وكنت أتقاضى راتبا متوسطا، ساعدني شيئا ما في مواجهة صعوبات الغربة في هذا البلد الإفريقي.
وحين ظهرت الجائحة، اضطر رب العمل إلى تقليص الرواتب والعمال، فأصبحت أتقاضي 100 دولار شهريا بدل 300 دولار، كما تقلص دوام العمل إلى ساعتين في النهار بسبب حظر التجول الجزئي الذي فرضته السلطات لمنع تفشي كوفيد 19."
ويضيف ولد الإمام:
"كانت فترة كارثية على الصعيدين النفسي والمادي، ولم أنسلخ من مخلفاتها حتى الآن، أتقاضى حاليا ما يقارب 150 دولار، وهي زيادة طفيفة بعد استفاقة توريد الأسماك من سبات الجائحة.
بالنسبة لي، أرى أن باعة الأسماك هم الأكثر تضررا بالجائحة، لأن انتعاش رواتبهم مرهون باستقرار أرباح الموردين، وهو ما قد لايتحقق في الأمد القريب"، على حد تعبيره.
حمن يوسف
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .