"أيقنت بالرحيل من شدة الأعراض التي رافقت الإصابة"،هكذا تختصر زينب محمد الأمين حكايتها مع الإصابة بكوفيد 19 مطلع شهر مايو 2021،حيث كانت الناس تتوجس خيفة من الفيروس،وعن بداية هذه الحكاية تقول زينب:
"بدأ الأمر عندما شعرت بالحمى التي رافقها ألم على مستوى العينين والعظام والمفاصل،وحدث أن ظهرت ذات الأعراض على أخي الأصغر،وبعد أن أجرى الفحوصات تأكدت إصابته بالفيروس،فنقلته بعثة صحية للحجز الصحي،وذات البعثة أجرت لي فحوصات أنا والأخ الأكبر،وأظهرت إصابتنا كذلك وبقيت الوالدة وحيدة في المنزل".
عندما ظهر فيروس كورونا في موريتانيا بادرت الحكومة باتخاذ الإجراءات التي أملتها الظروف الصحية،حيث حرصت على محاصرة الفيروس،وهو الذي نسج الناس حوله الكثير من القصص،حتى اعتبروا الإصابة به معرة أو نقصا سيلاحق صاحبه أبد الآبدين،وذات الأمر حدث مع أسرة زينب التي تضيف:
"لقد أصبحنا فجأة حديث الناس،ولا أخفيكم أن الشارع الذي يمر من أمام منزلنا لم يعد يسلكه أحد،وهذا الأمر كان أشد وقعا من الناحية النفسية حتى من خبر الإصابة،حيث كان تفكيري مشغولا في حال الوالدة التي بقيت محاصرة وحيدة في المنزل".
فتحت موريتانيا أبواب مستشفى الصين بالعاصمة نواكشوط أمام المصابين بالفيروس،وقد كانوا في تزايد يوما بعد يوم،حيث لم تكن البلاد بمنأى عن العالم الذي كان يتفشى فيه الفيروس شمالا وجنوبا،وفي وجه زيادة أعداد المصابين لجأت موريتانيا للجامعة كحجز صحي،فنقلت إليها أصحاب الحالات المستقرة،وتركت المستشفى لأصحاب الحالات الحرجة،وبعد خمسة أيام من الحجز في ذات المستشفى الذي تؤكد زينب أن المعاملة فيه كانت على ما يرام،بدأت قصة أخرى بعد النقل للجامعة،وكان عنوانها الأبرز الإهمال بحسب زينب التي تقول:
"في الحجز الجامعي لم يكن أحد في استقبالنا،وقد كانت الغرف مليئة بالأتربة،فاضطررنا نحن المرضى لتنظيفها رغم حالتنا الصحية،وبتنا تلك الليلة دون وجبة العشاء،وهي ليلة طويلة ستبقى عالقة في الذاكرة أبدا".
من الحجز أطلقت زينب صرخات على منصات التواصل الاجتماعي،كان لها صدى واسعا وحظيت بتفاعل كبير،حيث شارك المئات الصور التي نشرتها من أماكن الحجز،والتدوينات التي كتبت عن معاملة العمال هناك،وبموجب ذلك أكدت زينب أنه أصبح بالحجز أكثر من طبيب،ولم يكن هناك واحدا قبل التدوينات التي تصدرت العوالم الافتراضية في تلك الفترة،ثم لاحقا فرق للتنظيف لا تدخل غرف مرضى لكنها تنظف الممرات والمراحيض التي كانت في حالة مزرية كما تقول.
أثناء الحجز الصحي كانت زينب على تواصل مع أحد المعارف وهو دكتور نفسي رافقها خلال الإصابة،فكان يرشدها ويعطيها النصائح اللازمة،وفي الحجز تقول زينب:
"شاهدت الكثير وعشت الكثير،وبقيت بعض الأمور عالقة في الذاكرة،أتذكر الليلة الأولى حيث لم يزرنا أحد ولم نحصل حتى على قنينة ماء،وأتذكر المصابين يصرخون كأنهم أيقنوا بالرحيل للدار الباقية،وأتذكر الشاب الذي فقد الوعي ليلتنا الأولى في الحجز الجامعي،ولم يجد طبيبا يسعفه،وقد كان وراء التذمر الذي ساد المشهد رغم ضيق الحيلة".
استمرت زينب في الحجز الجامعي حوالي شهر،أجرت خلالها الفحوص أكثر من مرة،على أمل الشفاء والعودة للمنزل،حتى بدأ اليأس يتسرب إليها وفق تعبيرها،ثم جاء اليوم المنشود الذي تعبر عنه قائلة:
"أخبرني أخي وقد كانت علامات الفرح تظهر على محياه بخبر شفائي من الفيروس،ولم أعرف حقيقة ماذا أفعل تلك اللحظة،هل أبكي أم أضحك،لقد كنت سعيدة ويراودني شعور المسجون الذي أفرج عنه أخيرا".
لم تُعامل زينب بعد الإصابة أي معاملة خاصة من طرف الأسرة التي أصيب جميع أفرادها بالفيروس،غير أنها تحكي على لسان إحدى المحتجزات سابقا قائلة:
"جميع من في المنزل يعاملني معاملة خاصة،فعندما ألمس شيئا يخافون منه،أشعر أنني غريبة ومصابة حتى بعد مرور كل هذه المدة والتعافي من الفيروس".
لا يخلو حديث زينب عن تجربتها مع الفيروس من التعبير عن الامتنان والعرفان للذين رافقوها بدعواتهم وسؤالهم عن حالها بين المدة والأخرى،مع أنها لم تكن تعرفهم قبل ذلك،وتختم حديثها بالقول:
"الأكيد أن أيام الحجز لن تغادر الذاكرة،وهي كانت درسا تعلمنا منه قيمة الصحة،لذلك على الجميع أخذ الحيطة والحذر،للوقوف دون تفشي الوباء الذي إن بدأ العالم يتعافى منه،فإنه ما زال موجودا وتسجل منه حالات جديدة كل يوم".
الناشط الحقوقي ورئيس هيئة الساحل إبراهيم بلال رمظان أن الجائحة كشفت عن ضعف المنظومة الصحية والوسائل المادية والبشرية مضيفا:
"كان هناك تمييز جلي في المحتجزين،بين من كانوا في الفنادق مع توفير كافة الرعاية،وربما الذهاب دون إكمال فترة الحجز المنصوص عليها،ومن حجزوا دون أي اهتمام أو سؤال،وهنا برز دور الإعلام البديل الذي فتح عيون الناس على وضعية الحجز الصحي،وكان وراء صرف الاهتمام صوب المحتجزين،الذين كانوا في العاصمة وظروفهم مزرية،فكيف بالذين في الداخل الموريتاني".
اتصلنا بوزارة الصحة للحصول على رأيهم ولم يردوا.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.