يشاهد محمد يحيى ولد عبد الجليل صاحب مشروع المعرفة "المدرسة الرقمية" بكل فخر أحد طلاب البرنامج "أحمدو محمد الأمين بيلاهي" وهو يتوج بالمرتبة الأولى في جائزة رئيس الجمهورية لرالي العلوم شعبة الرياضيات ، يتذكر ولد عبد الجليل جيدا مثابرة ولد بيلاهي ومتابعته للدروس في فترة الإغلاق أيام طفرة كوفيد 19 ، ومثل تلميذه كثير ، لكن منهم من لم يحالفهم الحظ مثله ، فاكتفى بالاستفادة من مشروع كان يراد له أن يقدم الكثير من النجاحات منذ أمد ليس بالقريب ، قبل أن تحول دونه عراقيل أزاحتها أزمة كورونا ليستفيد منها إيجابا ، وإجابيات كورونا قليلة.
يحدثنا ولد عبد الجليل عن بدايته مع الفكرة بقوله " كانت بداية المشروع عبارة عن فكرة بدأت معي وأنا مدرس بالإمارات العرببة المتحدة ، حيث استفدت من منظومتهم التربوية التي كانت منفتحة كثيرا على العالم خاصة "الأنجلوسكسوني" ، واستحدثت هناك مشروعا تمهيديا أسميته "معلمي دوما معي" ، ولقي رواجا طيبا ، بعدها قدمت استقالتي هناك وعدت للبلاد ، لأن الفكرة التي كانت لدي حينها هي توظيف هذا النوع من التعليم هنا والاستفادة قبل الآخرين.
يواصل محمد يحيى "بعد عودتي للبلاد لم تكن عندها الظروف مواتية ، وكان الموضوع الذي مايزال غريبا عند البعض ، والبعض الآخر غير مهتم به كثيرا.
عام 2015 أعلنت الحكومة الموريتانية السنة سنة تعليم اتخذتها فرصة لإحياء المشروع وبعثه من جديد والعمل على تطويره ، أجريت بعض الاتصالات مع جهات حكومية حينها وحصلت على التزام بتبني المشروع ، لكن ذاك مالم يحصل بعدها مر المشروع بنوع من الإحباط بسبب عدن ملاءمة الأرضية والظروف.
وفي عام 2019 اتخذت قرارا أن أنتج الدروس بمجهود شخصي وتطوعي على الرغم من عدم قناعة الناس بها ، افتتحت استيديو للتسجيل ، وبدأت العمل حتى توفر لدي مخزون من الدروس في مواد مختلفة.
وفي عام 2020 وبعد أن عم كوفيد البلاد وأرهق العباد ، وبعد أن أغلقت المدارس وتوقف التدريس ، كنا حينها الجهة الوحيدة التي تتوفر لديها دروس جاهزة ، فقد كنت أحتفظ ب100 فيديو تعليمي جاهز على اليوتيوب ، وبعد ذلك تلقينا مساندة من قناة المرابطون وتبنت نشر الدروس بشكل طوعي ، لأنه في موجة كوفيد 19 الأولى لم تكن هناك أي وسيلة إعلامية يمكن من خلالها تدريس الرياضيات والفيزياء غير التلفزيونات ، وذلك بفعل ضعف المشاهدة.
فيما يخص الاستفادة ، كانت هناك استفادة بكل تأكيد ولكن الإشكال أن أغلب الناس لم يكن يستوعب الموضوع وأهميته ، لكن المؤكد أن الاستفادة حصلت في معظم أرجاء البلاد وأتذكر أن أسرة متواضعة اتصلت بي من داهل البلاد من أجل تحديد موعد بث الدروس ، لأنه لم يكن يتوفر عندهم الكهرباء ، ويمكن للبطارية المستخدمة أن ينفد مخزونها ، واتفقنا على توقيت بث يوافق الأسر.
ويضيف الاستاء "لايمكن أبدا بأي حال من الأحوال أن يكون التعليم عن بعد عِوضا عن التعليم المباشر ، فالأخير وإن كان ضرورة تعليمية فهو أيضا ضرورة اجتماعية ، للتعارف وتبادل الآراء والأفكار ، وهو مختلف عن التعليم عن بعد من ناحية كسر الملل والرتابة التي تصاحب التعليم عن بعد ، لكن في حالات الأوبئة والكوارث لايكون هناك حل غير التعليم عن بعد ، ومن ليس مستعدا له ، فليس مستعدا لأوقات الطوارئ... يجب تذكر هذا دائما.
من جهة أخرى فترة مابعد كوفيد19 أرى أن بلدنا بالذات يحتاج للتعليم عن بعد ، قد يتساءل أحدهم لماذا؟ أجيب لأنه عندنا نقص في المعلمين والأساتذة ، وقد لاحظتم الاكتتابات التي تجريها الوزارة من حين لآخر من عقدويين -وعندها الحق في ذلك- لأنه ليس لديها خيار وذاك مايفرضه التقري العشوائي ، فنحن إذا بحاجة لهذا النوع من التعليم لأنه يسحل الكثير من المشاكل ويمكن لأي مدرسة تحضير بنك من الدروس من أساتءة ومعلمين ذوي تجارب ، وفي حالة نقص يوزع على الطلاب ، كما يمكن للأسر أن توفر مايحتاجه أبناؤها من الدروس ، وهذا يوفر نوعا من التأمين التعليمي ، ومن جهة أخرة ، تكلفته رخيصة جدا ويساهم في الإصلاح الإداري والمالي ، ففي حال خصص مبلغ من الحكومة لهذا الصنف سيكون صرفه معروفا ، لأن عدد المساركبن معروف وعدد الدروس المقدنة معروف ومسجل ، وقد يكون مفتاح رقي في المجال الفني الإداري البحت ، فمثلا أي مفتش أو مستشار تقدم لمهمة يمكن معرفة قدرته على تنفيذها ومايخوله لذلك ، وأي بعثة ابتعثت لتكوبن سيكون عملها موثقا ومعروفا ، ويمكن أن يعوض عن تكوينات مماثلة إذا وثق واستفاد منه آخرون ، فهو بالنسبة لنا موضوع حيوي للغاية زد على ذلك أننا بلد ذو إشعاع علمي في المنطقة ، فينبغي أن ننتج مايحفظ لنا المكانة ونواكب به العصر.
في برنامجنا لم نقتصر على مرحلة تعليمية معينة ولكن الظروف والإمكانيات أجبرتنا على أن أن نقتصر الأمر على طلاب المسابقات الوطنية (دخول السنة الأولى الإعدادية _ ختم الدروس الإعدادية _ الباكلوريا) ، ومن معنا من الأساتذة كلهم متطوعون ، ولديهم التزاماتهم العملية والخاصة ، إلا أننا لم نجد دعما من أي جهة.
"تلك التجربة كانت فريدة ونوعية" يقول الخليل ولد أحمد أستاذ الرياضيات بثانوية روصو يولاسة الترارزة جنوبي البلاد ، يواصل ولد أحمد " كنت وتلاميذتي نعاني من الإغلاق الذي شل الحركة والتواصل بيننا بشكل مباشر ، حاولت أكثر من مرة أن أقدم دروسا في حصص مسائية لهم فقد كان الوقت ينفد منا بشكل سريع دون أن تنتناول أي شيء من المقرر الدراسي ، كان كوفيد يمنع تواصلنا المباشر لافي الدرس ولافي المنازل ، فجأة علمت بأن هناك دروسا تقدم عبر شاشة إحدى القنوات المحلية حول المادة التي أدرسها ، طلبت من التلاميذ متابعتها ، وذلك ماحصل ، استفاد منها بعضهم وكانوا يتواصلون معي لشرح بعض الإشكالات التي لم يفهموها ، وحين العودة الدراسية وجدت أن أغلب التلاميذ فهموا بشكل جيد أجزاء كبيرة من جوانب المقرر الدراسي للمادة ، وينقصهم القليل فقط"
"أعتقد أن التجرية يجب تطوريها لتشمل باقي المواد الدراسية وتوسيع نطاقها بشكل أكبر وأشمل ، فقد تغنينا عن الدروس الخصوصية ، كما أعتقد أن التعليم عن بعد -من خلال هذه التجربة- أضحى خيارا أمثل وبديلا ناجحا للدروس الخصوصية تحديدا"
تجربة ناجحة للتعليم عن بعد أسهم فيها ظرف استثنائي غير مجرى الكثير من الأمور من بعده ، وقد تكون بداية فعلية لطفرة المدرسة الرقمية بالبلاد لما لها دور في إيصال المعلومة وحفظها وتعميمها ، إذا اتخذت لذلك وسائله وصار توجها لتعويض التعليم بالبلاد.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.
عبد الله علي.