في أحد أحياء الصفيح بالعاصمة انواكشوط حيث تسكن عائلة مصطفى التي رمت بها الأقدار خارج نطاق الزمن ، مصطفى البالغ من العمرِ ثلاثة وخمسون عاما أبا لعائلة تتكون من أربعة أفراد وهو المعيل لها كان على موعد مع الإصابة بفيروس كورونا ما أدخل عائلته في دروب من المعانات .
فبعد وعكة صحية ألمت به ذهب مصطفي وزوجه زينب إلى مستشفي الشيخ زيد لإجراء بعض الفحوصات وهنا كانت المفاجئة وقع كلمات الدكتور وهو يخبر زينب بإصابة زوجها بفيروس كورونا 19لم تكن سهلة .
تقول زينب تقبلي لإصابة مصطفى بفيروس طالما سمعت عنه في وسائل الإعلام وعن مدى فتكه بالأرواح وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة لم يكن بالأمر السهل .
رغم أن الفيروس وقتها كان قريب عهد بالدخول للبلاد ولازال الجميع
يخاف منه إلا أن إصابة مصطفى به شكلت منعطفا جديدا في حياة عائلته فمصطفى المعيل لم يعد قادرا على التحرك فظروفه الصحية تتطلب حجزه في البيت .
تضيف زينب قائلة أصيب زوجي بفيروس كورونا ولكِ أن تتصوري حجم المعانات وقتها رغم أنه لايتألم كثيرا لأن الدكتور منحه أقراصا تخفف عنه الألم إلا أن شعورا بالخوف والقلق من مواجهة المجهول كان يأرقني .
ومع ذلك ظلت زينب قوية رغم الظروف الصعبة التي مرت بها فإصابة زوجها بالوافد الجديد الذي أقعده عن مزاولة عمله جعلها أمام الكثير من التحديات ،مصطفى يحتاج رعاية خاصة بسبب ظروفه الصحية والأطفال بحاجة إلى توفير حاجياتهم الضرورية حاولت زينب مرارا أن تتواصل مع بعض الأصدقاء والخيرين لتسلف منهم بعض النقود تسدد بها بعض حاجيات البيت الضرورية إلا أن الجميع كان يتجنب محادثتها لأن زوجها مصابا بكوفيد 19.
تقول زينب رغم كل ذلك بقيت متشبثة ببصيص أمل وأنجز ماعلي من واجبات كربة بيت بما جادت به الظروف مضي أسبوع على إصابة زوجي أصبحنا في عزلة لم يعد أحدا من الجيران يلقي التحية فوالدنا مصاب أخبرت مصطفى بحاجتى للبحث عن عمل نسدو منه حاجياتنا ريث مايستعد عافيته لم يقبل في بداية الأمر كان يقول أنه سيسترد عافيته ويعود إلى عمله .
في تلك الفترة كان حظر التجوال ساري المفعول والأسعار في تلك الظروف الصعبة تشهد ارتفاعا جنونيا ماجعل الحصول على بعض الحاجيات الضرورية أمرا صعبا ، مصطفى لم يسترد بعد عافيته فكان أصدقائه في المخبزة التي كان يعمل فيها يزورونه الإلقاء التحية بين الفينة والأخرى للإطمئنان على صحته .
تقول زينب لاحظت مايكن هؤلاء الأصدقاء لزوجي من محبة واحترام ففكرة مليا في طلب المساعدة منهم فعرضت على صديقه خالد الذي زارنا تلك الليلة أن أعمل معهم خبازة بدل زوجي مصطفى لحاجة عائلتي إلى دخل نوفر منه حاجياتنا الضرورية لم يتقبل الفكرة جيدا إلا أنه وعدني بعرض الأمر على المالك وبعد أيام تواصل معي يخبرني أنه قبل بعد كثير من محاولات إقناعه مردفا أنه طرح بعض الشروط يجب علي التقيد بها وافقت نظرا لحاجتى للعمل وحين علم زوجي لم يسر بالأمر ورفض حاولنا إقناعه .
عدم تقبل الجميع لفكرة زينب وهي العمل خبازة أمر طبيعي لأن هذ العمل لطالما ظل حكرا على الرجال ولايصلح للإناث لما فيه من المشقة إلا أن زينب كانت مستعدة لفعل المستحيل بسبب ماتعانيه عائلتها من ظروف صعبة حتى أنها لم تفكر بما يمكن أن يقال عنها فكونها ستخوض غمار مزاولة العمل كخبازة يجعلها أمام الكثير من التحديات الجمة ومع ذلك كانت سعيدة بما حققت فزينب لم تعد ربة بيت فحسب صار لديها دوام عمل خارج البيت مما زاد عليها حجم المسؤوليات أكثر .
تضيف زينب لم أتصور يوما كم المعانات التى كان يتحمل زوجي من أجل أن نظل سعداء إلا حين عملت خبازة رغم أنهم أخبروني أن العمل يختلف في تلك الفترة بسبب الظروف الصحية والإجراءات الاحترازية المفروضة على المؤسسات فقد كنت السيدة الوحيدة التي تعمل في هذ المجال ماجعلنى اتعرض لكثير من التذمر لكننى وضعت نصب عيني معانات عائلتي فكانت تزيدني قوة وتحملا بسبب الظروف الصحية كانت قوانين العمل تتغير يوميا فصلَ بعض العمال تخفيفا للضغط داخل المخبزة كنت خائفة من أن يطالنى الفصل فأنا القادمة أخيرا والأقل حظا في البقاء إلا أن ذلك لم يحدث والحمد الله .
ظلت زينب تعمل بجد واجتهاد فلم ينسيها عملها الجديد عن واجباتها المنزلية فكانت تتوجه كل صباح لمكان عملها و حين تعود إلى البيت تقوم بواجباتها كربة بيت ماجعل مصطفى والأطفال يتقبلون فكرة العمل شيئا فشيئا كانت مستعدة أن تضحي بكل شيء مايهمها هو سعادة بيتها بدأت الامور تدريجيا تعود إلى طبيعتها تماثل مصطفى للشفاء وبدأ ت الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي الفيروس تخف .
قادنا الحديث عن قصة زينب الملهمة إلى الحديث مع مالك المخبزة فسألناه عن زينب المكافحة التي كانت عاملة معه في تلك الفترة وعن مدى تقبله لفكرة عمل خبازة لديه كان رده لم تكن زينب كأي إمرأة فحين عرض علي أحد العاملين معنا الأمر رفضته بتاتا لم أتصور وجود إمرأة بين الرجال تعمل خبازة حاول إقناعي بشتي السبل وشرح لي الظروف الصعبة التي تمر بها عائلة مصطفى قبلت أن أعطيها فرصة وحين بدأت مزاولة العمل معنا تفاجئت كثيرا بهذه السيدة التي تعمل بتفان كانت فطنة تبذل كل جهدها حريصة أن تتعلم كل شيء رغم أنها لم يسبق وأن عملت في المجال إلا أن تفانيها في العمل وحبها له جعلها تتقدم بسرعة كانت صاحبة أفكار استطاعت أن تجعل بها مخبزتنا في مصاف المخابز التي كانت تنافس بأخذ كل الإجراءات الاحترازية في فترة كورونا 19.
ليس سهلا ربما على زينب ماتقوم به من أعمال شاقة طيلة اليوم كخبازة وماتقوم به داخل بيتها بعد عودتها من رحلة يوم شاق من العمل إلا أن حبها لكل ذلك جعلها تنسي مافيه من مشقة وتكون سعيدة به .
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.
خديجة الهريم