فاطمة (35 سنة) تتذكر جيدا ذلك الصباح من صباحيات الموجة الأولى حيث أصبحت في خانة المطلقات بكل بساطة،لتنتقل رفقة صغيرتها للعيش في منزلها أهلها حيث تقيم حتى اليوم،وهي تستحضر ذلك اليوم الذي كان ليكون عاديا لولا هذا الطلاق،وتتحدث عن الأمر وكأنه بالأمس قائلة:
"كنا على مائدة الفطور صباحا وما إن انتهيت من إعداد الشاي،حتى أخبرني زوجي بطلاقي،معللا قراره بالظروف الاقتصادية التي لم تعد تسمح باستمراره في هذا الزواج،وأمام الواقع الجديد لم أملك من قوة غير التسليم بقضاء الله،لذلك حزمت حقائبي بسرعة وقد ضاقت علي الأرض بما رحبت،ثم قصدت منزل أهلي الذين فاجأهم الأمر،وفضلوا الصمت مثلي تماما والمواصلة كأن شيئا لم يحدث،لكنه حدث بالفعل وما زال مستمرا حتى بعد مرور كل هذه الفترة،مع أن العالم بدأ يتعافى من تأثيرات الوباء العالمي".
الأوضاع الاقتصادية التي صاحبت ظهور كورونا تركت تأثيرها على الناس من مختلف الفئات،وبشكل خاص أصحاب الدخل المحدود والمهن غير الدائمة،ما أسهم بشكل مباشر في زيادة حالات الطلاق،بعد أن أصبح سلاح محاربة العجز المادي،ولعل من المفارقات الطريفة أنه في ذات الفترة زاد الإقبال على الزواج،حتى أصبحت الناس تقول على وجه الطرافة "زيجات كورونا".
بحسب بعض الدراسات تجاوزت نسبة الطلاق في موريتانيا 31% خلال السنتين الماضيتين(2020-2021)،حيث تعددت الأسباب وتنوعت،وظلت النتيجة واحدة،رغم ما قد يترتب على ذلك إن في المدى القريب أو البعيد،الأسباب التي أصبحت تأثيرات كوفيد واحدة منها بعد ظهوره أول مرة في الصين،وانتشاره لاحقا في بقاع العالم.
في موريتانيا أضحى الطلاق شيئا عاديا،وفي موريتانيا سوق للمطلقات يأوي ربات الأسر المطلقات ويوفر لهن دخلا يساعد في الاعتماد على النفس،من هؤلاء مريم التي تقول:
"داخل كل بيت موريتاني ليس غريبا أن توجد مطلقة،وكان الأمر ليكون عاديا لولا أن الرجل في الغالب لا يكترث لحال أطفاله،فمن النادر أن يتكفل بالنفقة وما يترتب عليها،لذلك يبقى الحمل على عاتق المرأة،ومن الطبيعي أن تلعن شيطان البطالة وتنبذ الكسل وتبحث عن عمل".
إن التداعيات الاقتصادية على محدودي الدخل واجهتها الحكومة الموريتانية بجملة من التدخلات،تجلت أحيانا على شكل مبالغ نقدية أو مواد غذائية،رغم ما رافق ذلك من استفسارات وحملات طبعها التشكيك والتبخيس،وهذه التداعيات قامت بدور كبير في تفكك العديد من الأسر بحسب الباحث الاجتماعي ورئيس منتدى السوسيولوجيين الموريتانيين باب سيدي أحمد اعلي يقول:
"جائحة كوفيد لم تكن جائحة صحية فحسب،بل امتدت ارتداداتها للجانب الاقتصادي والاجتماعي نتيجة طول فترة الحجر الصحي،الأمر الذي أدى لسيطرة روتين معين على الحياة،ومن الطبيعي أن تكون تلك المسألة انعكست سلبا على الحياة الزوجية التي سارت مسارا واحد طبعه الملل،وبالتالي أسهم في انتشار الطلاق مع تغيير في العلاقات بفعل وقع التداعيات النفسية للزوجين".
لقد أسهم كورونا في تفاقم ظاهرة التفكك الأسري من خلال موجاته المتلاحقة،بفعل انعدام دخل بعض الأسر ذات الدخل المحدود،وفي ظل التعايش مع الوباء يُتوقع أن تشفي الأيام القادمة جراح فيروس ظهرت تداعياته جلية على مختلف مناحي الحياة.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.