يجر إبراهيم (12 سنة) كما عرف بنفسه وراء ظهره عربته للعثور على قطع ومسامير الحديد المرمية في الشوارع ومراكز تجميع النفاية بغية بيعها لاحقا لمؤسسات تعيد تصنيعها من جديد،وإجابة عن السؤال حول بدايته مع هذا العمل الذي أضحى موضة بين الأطفال الموريتانيين يقول إبراهيم:
"بدأت هذا العمل بعد أن أخبرني به أحد الأطفال وهو صديقي وجاري في ذات الحي،و نظرا للدخل الذي يأتي من بيع قطع الحديد فقد صار له من الاهتمام نصيبا معلوما،نحن نبدأ صباحا ونتوقف زوالا،وكثيرا ما نواصل في المساء بين الأزقة وعلى جنبات الشوارع الرئيسية،وما نحصل عليه نحمله صوب رجال يشترون منا القطع التي نعثر عليها،هم يدفعون مقابلها مبلغا نراه كثيرا وقد يراه آخرون قليلا،غير أنه يعطينا نقودا نصرفها كيف نشاء".
جمعية الطفل تولي حسب القائمين عليها أولوية بالغة للأطفال،وللجانب المتعلق بالتعليم على وجه الخصوص،ويضيف المسؤول الإعلامي للجمعية عبد الله ولد اسويلم قائلا:
"تعلمون أهمية تعلم الأطفال و ولوجهم المدارس بدل أن تتفرق بهم دروب الحياة شيعا،وقد ينتهي بهم المطاف لما لا تحمد عقباه،وانطلاقا من تلك الأهمية فقد جعلنا التسرب المدرسي نصب الأعين سعيا لمحاربته والقضاء عليه،مع إعطاء التعليم المحظري نصيبه من الاهتمام،حيث أنشأنا محظرة في أحد الأحياء العشوائية تعلم القرآن و العلوم الشرعية لما يزيد على 30 طفل يتيم،مع العمل على توفير الظروف التي تضمن تحصيلا ينفع هؤلاء الأطفال في المستقبل،خشية الغرق في بحور الحياة الهائجة".
ليس إبراهيم سوى طفل واحد من عشرات الأطفال الذين يعيشون بين الأزقة وعلى جنبات الطرق،حيث يقضون معظم ساعات النهار دون اكتراث لأشعة الشمس،فهذا رفيقه محمود "10 سنوات" يعمل ذات العمل،ولم يحدث أن حصل على أي نصيب من التعليم المدرسي،وعن تجربته مع هذا العمل يقول:
"كنت أرى الأطفال يذهبون في الصباح الباكر ويعودون في المساء بالنقود،وقد شعرت بالغيرة وقررت أن أعمل أنا أيضا حتى تصبح لي نقودي الخاصة،وفعلا حدث الأمر كما أريد،فجولة واحدة في أي شارع لا بد أن يعثر فيها المرء على قطعة من الحديد،وتخيل أننا نبدأ من الصباح حتى المساء كثيرا من الأيام،لذلك فالقطع التي نعثر عليها كثيرة،وإنني حقا أشعر بالسعادة في هذا العمل".
الحكومة الموريتانية عملت على توفير التعليم في مختلف ربوع البلد،بافتتاح المدارس وترميمها مع الحرص على مجانية التعليم،بعد أن بلغت نسبة عمالة الأطفال بين عامي 2015 و 2020 37% بحسب المسح الوطني الذي تشرف عليه وزارة المالية والاقتصاد الموريتانية،وهي أرقام يرى مراقبون أنها تستدعي وضع الاستراتيجيات الهادفة للقضاء على ظاهرة عمالة الأطفال،وتبذل منظمات المجتمع المدني جهودا لضمان حصول الأطفال على التعليم في مختلف مناحي موريتانيا،مع التركيز على الأسر التي قد تقف الظروف المادية بينها وتعليم أطفالها،حيث يقول ولد اسويلم:
"لقد وفرنا التعليم المجاني ل 8 أطفال في مدارس خصوصية مع متابعة مذاكرتهم والحرص على مواظبتهم واجتهادهم،إلى جانب التكفل بالنقل من المدارس إلى المنازل،وقد لاحظنا انضباطا عند الأطفال و استعدادا للتحصيل،ونأمل أن يزداد العدد في المستقبل القريب،وهي مناسبة لتوجيه دعوة لكل من يستطيع التكفل بتعليم طفل".
ناقشنا إبراهيم في موضوع توقفه عن العمل في هذه السن المبكرة والتوجه للتحصيل المعرفي،ولم يظهر أن الأمر له جدوائية،فهو يقول:
"لا أعرف إن كنت سأجلس ذات يوم على مقاعد الدراسة،هذا لا يتضح على الأقل خلال الفترة القادمة،فأنا مؤمن بالعمل ولا أبغي به بدلا،وأعرف أن قوتي الآن لا تتجاوز هذا العمل الذي لا يتطلب جهدا يذكر،غير أنه مع مرور الأيام سيصبح لي آخر يعود علي بدخل أكبر،وربما اشتريت منه سيارة أجرة أعتمد عليها وسيلة للعيش".
تعد عمالة الأطفال من الظواهر التي تعود لأكثر من سبب،وفي حال لم تُتخذ الإجراءات المناسبة يؤكد المختصون ضياع مستقبل البلدان،ما يستدعي وضع حد لظاهرة التساهل في تسرب العديد من الأطفال من التعليم وتحملهم مسؤولية الأعمال الشاقة،وهو ما يتنافى مع القوانين المحلية والدولية المجرمة لعمالة الأطفال.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.