(الإعلام نت):
مع بداية إنتشار فيروس كورونا في موريتانيا وفرض الحجر المنزلي، برزت على الواجهة إشكالية التعاطي مع الأطفال وملئ أوقاتهم بما هو مفيد خصوصاً مع إغلاق المدارس وقضائهم وقتا أطول على شبكة الإنترنت، مما يمكنه أن يساهم في جعلهم عرضة للإستغلال الجنسي و الإغواء عبر الشبكة، وكذا تعرضهم لمحتوى ينافي المعايير الأخلاقية،كالمحتوى الضار والعنيف، بالإضافة إلى زيادة تعرضهم لخطر التنمر عبر الإنترنت.
تقي الله الخليفة (طفل) يروي لنا عن كيف قضى تلك الأيام التي يصفها بالسيئة فيقول: " لقد كنا نمر بلحظات صعبة، فقد كان أكثر شيء يتم الحديث عنه هو أن الفيروس يصيب الكبار فقط، لكن حين فقد صديقي أمه بسببه عرفت أنه يصيب الأطفال أيضا ويؤثر عليهم و إن بطرق مختلفة تبقى معهم طيلة حياتهم، وإن إلتزمنا بحظر التجول والتباعد الاجتماعي و
الذي أتاح لنا المكوث في البيت أكثر بدون أصدقاء ولا تعليم، حيث كان الهاتف هو رفيقنا، فيه نشاهد كافة المحتويات الصادمة، والأخبار المخيفة،
لقد تعاملنا مع الوضع الجديد بقدر ما نستطيع".
ويضيف "كمراهقون كانت الإنترنت هي الأنيس الوحيد في غرفنا، وقد رأينا تأثير ذلك في عائلتنا الضيقة حيث ضعف الدخل وزيادة المشاكل الأسرية، ويمكنني أن أقول أننا كنا شهودا إن لم نكن ضحايا نظرا للظروف وإجهاد الأسرة".
ميمونة محمد سالم باحثة اجتماعية في المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإنسانية (مبدأ)
تؤكد " أن جائحة كوفيد أثرت على كافة الجوانب في المجتمع وعلى كل الفئات خاصة فئة الأطفال ومن بين الانعكاسات السلبية للأزمات والكوارث تنامي العنف حيث يكون أول متضرر هو الفئات الهشة في المجتمع خاصة الأطفال" .
لاشك أن الإنعكاسات التي خلفتها جائحة كوفيد 19 على الجوانب الاقتصادية في المجتمع الموريتاني كغيره من المجتمعات فاقمت من حدة العنف الموجه ضد الأطفال فبنظرنا انقطاع الأطفال عن التمدرس والحجز في البيوت كان مما يزيد من تعرضهم للعنف، إلا أن ثقافة اللعب في الشارع المستشرية في الأحياء الشعبية تجعل الأطفال أكثر عرضة للعنف داخل البيوت وخارجها.
وتأخر إطلاق قناة الأسرة أيضا (قناة حكومية أعلن عن تأسيسها) جعل الأطفال أمام خيار وحيد وهو قنوات الأطفال الأجنبية البعيدة كل البعد عن خصوصية المجتمع بل إن أغلب المعروض على هذه القنوات يشجع على العنف ما يجعل العنف الذي يتعرض له الطفل أحيانا من طرف الأطفال، وكذلك ظاهرة التنمر.
ونظرا لطبيعة المجتمع غير المنفتح في الحوار مع الأطفال "
مؤخرا صعدت إلى الواجهة مبادرة "كافي" والتي بحسب قول المشرفين عليها تهدف إلى "معاقبة الجناة الضالعين في العنف الموجه للأطفال والنساء، فالعنف يدمّر حياة المئات وربما الآلاف من الضحايا، وتطال جرائمه الأطفال ذكورا وإناثا، فتيات ونساءً، وسط تساهل مع الجناة ".
بحسب ملخص التقرير الوطني الذي نشرته الجمعية الموريتانية لصحة الأم و الطفل، فإن عدد حالات العنف الجنسي (التي تم تسجيلها) عام 2021 قد وصلت إلى 336 ضحية للعنف الجنسي من بينهم 266 قاصراً موزعة على (246 فتاة و 17 ولدا) و 70 امرأة بالغة.
وترى الناشطة في مبادرة "كافي " السالكة احميدة أنه لم تسجل حالات واضحة من خلال الإنترنت كمصدر للعنف في زمن الجائحة، لكن العنف في الواقع تزايد في فترة كوفيد19 خصوصا في الأحياء الهشة، حيث تم استهداف أطفال أكثر عانوا من العنف وسط صمت مطبق من المجتمع والجهات المعنية حسب تعبير السالكة.
بين هذا وذاك تبقى إشكالية الاعتداء على الأطفال نفسيا وبدنيا عن طريق الأنترنت أحد الإشكالات المطروحة بين من يقول بقلل من حجمها وبين من يحذر من انتشارها ، فإلى أي حد يتواءم قانون الجرائم السبرانية مع قضايا الاعتداء على الأطفال من خلال الأنترنت؟
يستهل المحامي الحسين بلال حديثه معنا بلغة القانون قائلا:
" لقد جرم المشرع الموريتاني من خلال قانون الجريمة السبرانية وقانون الحماية الجنائية للطفل كل الأفعال التي يمكن ان يتم من خلالها الإعتداء على الأطفال بواسطة اي وسيلة من وسائل الإنترنت سواء بواسطة النشر أو التسجيل ..... حيث خصص المشرع 17و 18 و 19 و 20 من قانون الجريمة السبرانية على تجريم او نشر او ارسال مادة إباحية للأطفال عبر نظام معلوماتي وجاءت بعقوبات صارمة وقاسية تتراوح بين ثلاث سنوات وسبع سنوات مع غرامة مالية من 5000000 إلى 4.000.000 اوقية قديمة لكل من يرتكب هذه الجرائم في حق الأطفال.
حيث نصت المادة 17 من قانو الجريمة السبرانية على أنه( يعاقب بالسجن من ثلاث إلى سبع سنوات وبغرامة مالية من 500.000 إلى 4.000.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يقوم عن قصد، بإنتاج او تسجيل أو عرض أو توفير أو نشر أو إرسال مادة إباحية للأطفال عبر نظام معلوماتي.
كما جرم المشرع الموريتاني الإعتداء على حقوق الطفل بإستخدام الملفات المعلوماتية في المادتين 68 و 69 من قانون حماية الطفل، حيث نصت المادة 69 من القانون الجنائي للطفل على أنه ( يعاقب بالحبس من من ستة شهور إلى سنتين وبغرامة من 800.000إلى 1.600.000 اوقية كل شخص حائز على معلومات معينة تتعلق بطفل أثناء تسجيلها أو ترتيبها أو نقلها أو أثناء أي شكل آخر من أشكال معالجتها الألكترونية، ويصرف هذه المعلومات عن غايتها المحددة في المقتضيات التشريعية أو التنظيمية التي تسمح بالمعالجة الآلية، أو في التصريحات التي سبقت تنفيذ المعالجة).
وهو ما يعني أن المشرع الموريتاني جرم كل أعتداء يمكن أن يتعرض له الطفل من خلال وسائط الإتصال الحديثة سواء بالنشر او التسجيل"
يؤكد المحامي الحسين بلال على وجود العنف واقعيا، بل أحيانا يكون بين الأطفال أنفسهم وأحايين أخرى من الأسرة على الطفل، وفي قاعات التعليم.
كما تنشر أحيانا بعض الحلات على وسائل التواصل الاجتماعي كنوع من التوعية حول خطورة هذه الجريمة،
مع وجود قوانين تعاقب من يضر الأطفال بنشر أي محتوى ضار، لكن غياب الثقافة القانونية وطرح الشكايات ما يزال غائبا، فحسب قول المحامي الحسين القانون يعاقب حتى من يأخذ معلومات دقيقة من طفل ما من أجل إستخدامها في أقراض أخرى، وسبب عدم شكاية المتضررين من هذا النوع المحتوى.
يختم الحسين قائلا إنه توجد فعلا قوانين من أجل ردع هذا النوع من الجرائم لكن لم تعاقب أي شخص حتى اللحظة.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.
إعداد: مريم إبراهيم