تعد محكمة العدل السامية إحدى المؤسسسات الدستورية التى نص عليها دستور العشرين يوليو 1991 فى مادته 92 التى نصت في فقرتها الأخيرة علي انه يتم تحديد تشكيل المحكمة وقواعد سيرها والإجراءات المتبعة أمامها بواسطة قانون نظامي وهو ماتم بالفعل من خلال اصدار القانون النظامي رقم 2020/30 المعدل والمكمل للقانون النظامي رقم 2008/21 المتعلق بمحكمة العدل السامية والذي سنركز من خلال قراءتنا هذه له على تشكيل محكمة العدل السامية وذلك بسبب ما ارتسم في أذهان الكثيرين من أن هذه المحكمة تتشكل بمجرد إنتخاب هيئة الحكم فيها من طرف أعضاء الجمعية الوطنية وهو تصور خاطئ لمخالفته للسياق العام للقانون النظامي المتعلق بهذه المحكمة وماتضمنه من ترتيبات تدل علي تشكلها في الواقع من هيئتين احداهما مكلفة بالحكم والاخرى بالتحقيق علي ان يتولى المدعى العام لدى المحكمة العليا و احد نوابه مهمة تمثيل النيابة العامة لدى هذه المحكمة ويمسك قلمها كاتب الضبط الأول لدى المحكمة العليا وهو مايتجلى من خلال مانصت عليه المواد 13و14و 15 و 33 ومابعدها من القانون النظامي المتعلق بالمحكمة.
فاختيار أعضاء كل هيئة يختلف باختلاف طبيعيه كل واحدة منها فهيئة الحكم تتشكل من تسعة قضاة أصليين وتسعة إحتياطين من بين أعضاء الجمعية الوطنية وذلك لمدة مأموريتهم فى حين تتشكل هيئة التحقيق من ثلاثة قضاة أصليين وقاضين إحتياطين تختارها كل سنة الجمعية العامة للمحكمة العليا من بين قضاتها الجالسين.
فتشكيل محكمة العدل السامية على هذا النحو من مزيج بين السلطتين التشريعية والقضائية له مايبرره من الناحية القانونية ومن حيث نوع وطبيعة الوقائع موضوع إختصاص المحكمة والأشخاص المتهمين بأرتكاب تلك الوقائع وهو مايشكل فى الواقع ضمانة أكبر لهؤلاء ويضفى الطابع القضائي على ماتقوم به المحكمة من إجراءات وماتصدره من أوامر وقررات وأحكام......
وتتأكد تلك الصورة أكثر من خلال مانص عليه المشرع من ترتيبات فى الفقرتين الأخيرتين من المادة 93 من الدستور والمواد 19و 25 و 32 من القانون النظامي المتعلق بمحكمة العدل السامية والتى بموجبها تكون هذه المحكمة مقيدة في تكييفها بالجرائم والعقوبات المنصوص عليها فى القوانين النافذة وقت وقوع تلك الافعال وبتطبيق ماهو وارد من أحكام في قانون الاجراءات الجنائية.
ولتطبيق ماتضمنه القانون النظامي المتعلق بمحكمة العدل السامية من أحكام وإجراءات على الوجه الأكمل فقد نصت المادة 17 من نفس القانون على أنه تسجل فى ميزانية الدولة النفقات الضرورية لسير المحكمة المقررة بمداولة من طرفها بحيث تحدد المحكمة العلاوات الممنوحة للرئيس وللأعضاء وكذلك علاوات أعضاء هيئة التحقيق والنيابة العامة وكاتب الضبط .
ومهما يكن من أمر فإن إجراءات إنتخاب رئيس وأعضاء هيئة الحكم و إن كان قد تم إستكمالها ومرت سنة على تنصيبها وتم تسجيل النفقات الضرورية لسير المحكمة وعلاوات أعضائها بما في ذلك هيئة التحقيق والنيابة العامة وكاتب الضبط ، فإن الاجراءات المتعلقة باختيار هيئة التحقيق وتلك المتعلقة بالنيابة العامة وكتابة ضبط المحكمة....لم تبدأ بعد
القاضي/عبدالله اندكجلي