الإعلام نت :
تعتبر موريتانيا دولة معدنية ذات أهمية قصوى في المجال لدرجة أن البعض يقارن تنوع المعادن فيها بتنوع الأسماك، فهي تمنح رخص البحث عن جميع أنواع المعادن مثل الذهب والنحاس واليورانيوم والتربة النادرة وغيرها، ويوجد فيها مايزيد على 80 شركة تعمل في مجال التعدين عبر أكثر من 300 رخصة بحث و عشرات رخص الاستغلال ، طبعا هذا دون احتساب قطاع النفط .
ورغم كل هذا لا تحرك المعادن نسبة 3% من اليد العاملة في البلاد، كما لا تملك موريتانيا مسحا شاملا أو أي معلومات وافية عن وضعية المعادن على أرضها، ثم إن شركات التنقيب تحتفظ بالمعلومات لنفسها، وربما يكون ذلك أحد أهم أسباب ضعف شروط الاستثمار في البلاد .
شركة كينروس تازيازت من أبرز الشركات العالمية التي تعمل بموريتانيا في مجال استخراج المعادن ، ويطلق عليها " الوجه الخفي لنهب خيرات موريتانيا"
حيث حصلت الشركة الكندية المالكة لتازيازت موريتانيا على رخصتي بحث وتنقيب إضافيتين عام 2022 الجاري للتنقيب عن الذهب ،و تتولى العمل فيهما جهة مغايرة لشركة تازيازت موريتانيا.
وزارة الطاقة والمعادن الموريتانية قالت إن العوائد التي ستحصل عليها الخزينة العامة للدولة الموريتانية من منجم تازيازت للفترة حتى عام 2033 تقدر بـ1.55 مليار دولار بمتوسط سعر الذهب عند 1600 دولار، كما قد يصل هذا المبلغ إلى 2 مليار دولار إذا تجاوز الذهب 1800 دولارًا للأونصة.
وكانت شركة كينروس تازيازت قد أعلنت أن إنتاج المنجم من الذهب خلال الربع الثاني من 2022 بلغ 129.14 أونصة من الذهب مقابل 62.43 أونصة تم إنتاجها في نفس الفترة من السنة الماضية.
موضحة في تقرير لها حول حصيلة مناجمها للربع الثاني من 2022 إن قدرة المعالجة في مشروع 24 ك بمنجم تازيازت بلغت 21 ألف طنا لليوم ويتوقع أن تبلغ 23 ألف طنا.
وبلغ إجمالي انتاج المنجم خلال الأشهر الست الأولى مايقارب 262,83 أونصة مقابل 151.402 أونصة تم إنتاجها في الفترة الماضية من السنة.
بدأ تاريخ دخول شركة كينروس لموريتانيا في ظروف غريبة مطلع عام 2010 ،حينما اشترت كينروس منجم الذهب من شركة صغيرة بمبلغ 7,5 مليار دولار دون أن تتدخل الدولة الموريتانية أو يدخل لميزانيتها أي فلس من تلك العملية .
فبدأ بذالك تاريخ من النهب المتواصل لخيرات موريتانيا حيث كانت من ضمن الشركات التي استفادت من طفرة أسعار المعادن وحصلت علي رخصة استغلال تشبه الهبة؛ أي بأقل من 10 مليون أوقية على خلفية قانون 1999م.
والذي يعطي لموريتانيا حصة هزيلة من مواردها: 3% فقط من نسبة رأس المال التلقائية، و250 أوقية عن الكيلومتر المربع بالنسبة لرخصة التنقيب سنويا، وإعفاء من الضرائب 3 سنوات، كما لم يكن يفرض أي استفادة من نقل الملكية، حتى تعديلات 2009م. والتي تعتبر قفزة نوعية (2400 أوقية بدل 250 و50000 بدل 8000 أوقية و10% بدل3%) ،وبسبب القانون القديم خسرت موريتانيا الاستفادة من بيع الشركة من "ريدباك" إلى "كينروس" ب 7,5 مليار دولار دون الحصول على تعويض من الصفقة
و لم يتناول القانون الموريتاني استفادة البلاد من نقل الملكية كما لم تفرض احترام اليد العاملة الموريتانية ولم تحدد لهم مزايا أو وظائف بعينها، فأغلب المشرفين والمسيرين أجانب، وكذلك المقاولات التي تقوم بها شركات أجنبية مثل (أعمال الصيانة والكهرباء والماء والمطعم والدواء كلها :"كاناري لوك" إسبانية، "دوريسي" تركية، "سو إس سيس" فرنسية)،
ومن الغريب شغور وظائف عديدة في الشركة بإمكان الموريتانيين القيام بها، كسياقة الشاحنات مثلا والتي عاد ة ما يتولاها الأجانب.
ويشتكي الموريتانيون العاملون في الشركة من تفتيش دقيق بواسطة أجانب “غانيين أو عاجيين”، يتعرضون له خاصة عند دخول غرفة الذهب وعلي نحو مهين،
ووفق إحصائية لصندوق النقد الدولي أكد أن موريتانيا من أقل البلدان استفادة من مواردها الطبيعية ، فبحسب الصندق أن مزايا الاستثمار في هذه الدولة الفقيرة تنازلها للشركات عن ضريبة القيمة المضافة (14%) التي هي أساس ميزانيات الدول الكبرى (فرنسا: 18%).
وبالعودة إلى دراسة الجدوائية التي قدمتها شركة كينروس للحصول علي رخصة الاستغلال كان الاحتياطي مقدرا ب 1مليون أونصة وتكاليف استخراج الأونصة بين 256 إلي 300 دولار وكان السعر العالمي للذهب 700 دولار للأونصة حينها.
وقد باعت "نورماندي لاسورس" الفرنسية الرخصة إلى "ريو ناريسا" الإسبانية التي باعتها ل"ريدباك" الإسترالية ب628 مليون دولار مع الاحتفاظ ب 1% من رأس المال الأصلي .
وبعد عدة سنوات حينما أرادت موريتانيا التدقيق في تكاليف استخراج الأونصة (الأوقية الذهبية تساوي 28،394523125 إغرام والأونصة كوحدة قياس معدنية تساوي31،1034768 إغرام) من أجل حساب نصيبهم الجديد بفضل دخول الشركة مرحلة دفع الضريبة علي الربح 25% BICبعد 3 سنوات من الإعفاء من الضرائب، وجدت أن الشركة تغالط في تحديد سقف التكاليف بزيادة 200 دولار للأونصة الواحدة أي أن الشركة تغش بهذا المبلغ لكل أونصة (أي من ما مجموعه 391 ألف أونصة سنويا)
وقد أعطت الدراسة التي اكتشفت الخلل نتيجة مفادها أن تكلفة الاستخراج 950 دولار بدل 1150 دولار تعلنها كينرووس ، نفس الشيء بالنسبة ل (MCM)وصل الغش 2400دولار 5900 دولار للطن بدل 8300 لطن النحاس.
أما في مايخص تنفيذ وعودها للحكومة الموريتانية لم تنفذ شركة "كينروس" أيا من التزاماتها، فبعد الكشف عن احتياطي يفوق 20مليون أونصة والإعلان عن استثمار قرابة 4مليارات دولار لبناء أكبر منجم ذهب في المنطقة بقدرة إنتاجية تصل إلي 30 مليون طن، واكتتاب 1500 عامل لمسايرة هذا التطور، تغيرت الأمور فجأة، وسرحت الشركة طاقم إدارتها بدءا بالمدير العام سنة 2011، وتوقف الحديث عن التوسعة وبدأ الحديث عن التقشف وتسريح العمال، دون معرفة سبب وجيه أكثر من سوء التسيير والفساد ومماطلة الدولة ،
وحينما وصل سعر الذهب إلي 1243 دولار اتبعت الشركة سياسة التقشف وأعلنت أن هامش الربح قد تقلص، غير أن الغريب في الأمر هو أن كل إجراءات التقشف طالت الجانب الموريتاني وحده حيث تم تسريح 293 عاملا دون سابق إنذار، _ (والذين اتهمو الشركة بعد ذالك ببناء مطار ليلي بتكلفة 25 مليون دولار ، فقط من أجل نقل الأجانب، وورشة بتكلفة 16 مليون دولار، ومحطة كهربائية إضافية، وكسارة، بالمغالطة، بل وبالفساد بإغراق الشركة بالمعدات والمشتريات الزائدة عن الحاجة عندما تشتري عجلات وقطع غيار علي مقاسات وتركيب غير موجود بالشركة، وتجعل مخزنها يعج ب24000 قطعة أو نوعية وبأعداد هائلة فائضة عن الغرض.)_ من أصل 1558 عامل والاستعداد لتسريح 80 أخرين وتقليص عدد رحلات نقل العمال عبر الباصات بدل رحلة كل يوم، إلي 4 مرات في الأسبوع: نواكشوط ـ تازيازت ـ نواكشوط. في حين ظلت الشركة تدار بواسطة فريق يعيش في لاس بالماس مع كل الإمتيازات المرتبطة بذلك: السكن والنقل والعطل ودراسة الأبناء ورواتب عالية بين 3 إلي 12 ضعف رواتب الموريتانيين،
بعد حصول الشركة على رخصتين للاستغلال (أيمكبدن واتميمشات ) طالبتها الدولة بإعادة تعميق الدراسة للحصول علي بيانات أكثر دقة وقد تعهدت الشركة باستثمار 10 مليون دولار لذلك الغرض، مما يتطلب عمالة جديدة . إضافة إلي أن العمال في الشركة الأم يعملون حاليا 12 ساعة أي 5ساعات من العمل الإضافي خلال اليوم ، وهو مايطرح التساؤل عن كيفية تسريح شركة لعمالها في الزقت الذي تحتاج فيه لساعات إضافية ؟
والأسوأ من كل هذا أن الشركة في الوقت الذي تسرح فيه الموريتانيين تستدعي عمالا أجانب لشغل تلك الوظائف،
فقد تم تعيين مدير أشخاص لا يعرف القوانين المحلية، ومديرا للسكن ومديرا للمعلوماتية ومديرا للمصادر البشرية، وتم تسريح 10 موريتانيين في قطاع المحاسبة وحل محلهم حتي الآن 8 أجانب وتم تسريح 10 من إدارة اللوازم وحل محلهم 7 من الأجانب، والمعروف أن أعباءهم علي الشركة غير متساوية البتة، فكيف لشركة تدعي التقشف أن تزيد الأعباء؟
وأكثر ما يثير الغرابة في الأمر هو أن ذلك يتم والدولة معصبة العينين، حتي أن الكثير من هؤلاء العمال الأجانب يعملون بدون رخص، إضافة إلي أن مجموعة منهم يعملون برخص منتهية الصلاحية حسب العمال .
وبخصوص الحديث عن التكوينات التي تتبجح الشركة بهم لبعض الشباب الموريتاني فإن قيمة العقد الموقع مع مراكز التكوين بعيد كل البعد عن المبلغ المعلن من قبل شركة تازيات.
ففي مدينة أكجوجت عاصمة ولاية إنشيري قال نائب المقاطعة أن مقارنة عدد الشباب الذين أعلنت الشركة تكوينهم (240 شابا)، على افتراض صحته، مع المبلغ المصروف، (228 مليون أوقية قديمة) يدعو إلى التساؤل عن حقيقة ومردود كل هذه العملية.
ملفة إلى أن تكلفة تكوين الشاب الواحد قاربت المليون أوقية، مذكرا باحتمال تسرب عدد كبير من المكونين، وإحجام الكثير منهم عن التنقل إلى العاصمة نواكشوط، وغياب سلطة مكلفة بالمتابعة والتقييم.
وبهذا يعتبر غياب مقاربة حكومية لتقييم الدور الاجتماعي لشركات التعدين، يجعل الميزانيات المرصودة لهذا البعد عرضة للتلاعب والفوترة والنهب، دون تحقيق عائد للشعب الموريتاني الذي تستنزف خيراته وتدمر بيئته.
ناهيك عن الخطر البيئي والصحي الذي تسببه أشغال الشركة لمجمل من محيطها من المناطق
وبغض النظر عن دور تازيازت في لعب دورها بامتصاص معدلات البطالة فإن التكوين من حيث المبدأ لا يعد من الأدوار الرئيسية للشركة .
وتعتبر هذه المعلومات وحدها تأكيد على وجود تلاعب فظيع تمارسه شركة "كيروس تازيايزت" منذ وجودها في البلاد بغية نهب خيرات موريتانيا ، بالرغم من أنها قد لا تكشف حجم الفساد الحقيقي الذي ماتزال الشركة وإلى اليوم تنتهجه وبشكل صارخ على مرأى ومسمع من الحكومة الموريتانية دون أي تدخل واضح.