لم يكن مفاجئا ما حصل من تغيير في قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وتغيير اسمه حتى الآن؛ ومما لا شك فيه أن تغيير الرئيس والإسم والشعار لا يكفي ، بل يتطلع المتتبعون للشأن السياسي الوطني إلى تغيير جذري في قيادات وهياكل ومجالس الحزب، تلك التغيرات التي يفرضها واقع التردي والاخفاقات الماضية؛ مما استوجب التلافي قبيل حلول انتخابات مفصلية؛ تفصل عنها سنة واحدة أو بالكاد..
مما لا شك فيه أن فخامة رئيس الجمهورية أدرك الخطر المحدق والتراجع السياسي الذي بعثت به رسائل فشل الحوار وما تبع ذلك من تشويش على جو التهدئة السياسية الذي زرعه الرئيس نفسه؛ بفتحة باب الترحاب بكل الطيف السياسي على مصراعيه إبان توليه رئاسة الجمهورية.. لقد أساء الذراع السياسي للرئيس إلى رصيد الرئيس من خلال التجاذبات الداخلية والتنافر الذي تحركه المصالح الشخصية؛ وأجهزت على التماسك الحزبي السقطة الأخيرة لرئيسه السابق تجاه مكونة اجتماعية بل إلى رمزية وطنية، وربما تكون تلك المسألة التي حاول الاعتذار عنها بطريقة لم تكن موفقة، واعتبرها البعض حدثا متجاوزا؛ لكن فيما بعد تأكد أنها القشة التي قصمت ظهر البعير..
إن ما عاشه الحزب الأكبر وعاشته بقية الأحزاب السياسيه معه من ركود وخلافات داخلية تفسرها تصريحات غير ودية من هنا وهناك لأطراف أو شخصيات يشكل كل منها ذراع سياسي ينبغي أن يقدم الصورة التي تجمع خلف الرئيس وتشد عضده؛ لا تلك التي تظهر التمزق والانقسام.. كل ذلك كشف المستور وأظهر تصدع السند السياسي للسلطة القائمة مما ترتب عنه أخذ زمام المبادرة بالتغيير؛ وهذه حذاقة سياسية تحسب لأصحاب القرار من خلال البدار قبل فوات الأوان من أجل تلافي ما يمكن...
اجتمع الحزب في دورته الاستثنائية التي دعي إليها واختار المؤتمرون رئيسا جديدا في خطوة لم تكن مفاجئة عكس تغيير الإسم الذي قد يكون فاجأ البعض؛ لكن تغييره بعث بشيء من الطمأنينة وزاد السرور؛ حيث أصبح أكثر انسجاما مع مضامين خطابات الرئيس التي بدأها بوادان وأكد عليها أمام الخريجين في المدرسة الوطنية للإدارة؛ لقد حملت دلالة *الإنصاف* التي سمي بها الحزب اليوم أكثر من معنى حميد ينتظر أن يرى النور والتجسيد؛ فأغلب المواطنين في مواطن الهشاشة يشكون عدم الإنصاف وتردي الأوضاع المعيشية حتى صار اغلبهم يكره السياسة والسياسيين وتولدت من ذلك شعبية نائمة لا تصوت ولا تكترث للاستحقاقات الانتخابية وهذه الشعبية النائمة هي التي ينبغي أن تسلط عليها دائرة الضوء السياسي وتوجه لها المشاريع الخدمية أكثر فأكثر ثم تستهدف بالتوعية السياسية والاقناع الصادق حتى تنجذب إلى اللعبة السياسية؛ فبهؤلاء تحيا وتنتعش وبعزوفهم تضر ويذهب بريقها.
إن اختيار وزير التهذيب المكلف بإصلاح التعليم -الناطق باسم الحكومة- لقيادة الحزب الحاكم أمر جد مستحسن فهو على الأقل قادم من خارج دائرة الوجوه المحروقة ولم يذكر في شبهات فساد وبالتالي له رصيد نظيف يمكنه من العمل في دائرة نظيفة شريطة أن ينقي الحظيرة الحزبية من حوله ويختار مساعديه ومساعديهم بعناية مع إلزامية الخلو من الشوائب كشرط للاستعانة وإلا فستلتف حوله تلك الفطريات المريضة سياسيا وتطغى عليه ثم لا يستطيع أن يفعل شيئا؛
إننا نعيش مرحلة سياسية حرجة جدا؛ الاستحقاقات النيابية والمحلية على الأبواب والرئاسية لها تبع في جو يشهد تبعثر الأوراق وهنا لا بد من دعم كامل من طرف رئيس الجمهورية لرئيس الحزب الجديد وتفويضه لاختيار جهازه الحزبي بعناية وحسب المقاس الأصلح للمرحلة وإلا فستظل حليمة تلتحف بثيابها القديمة..