يعتبر خبراء اقتصاديون أن موريتانيا هي القطب الاقتصادي الجديد والواعد في منطقة المغرب العربي، وذلك بالنظر إلى الكميات الهامة من الغاز الطبيعي المكتشفة في البلد منذ سنوات، والتي بدأ استخراجها وتصديرها تدريجياً من دون أن يصل البلد إلى طاقة إنتاجه القصوى. ويقدر احتياطي موريتانيا من الغاز الطبيعي بـ 100 تريليون قدم مكعبة ويتوقع أن يرتفع الإنتاج مع الطلب العالمي المتزايد على الغاز نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية التي جعلت أوروبا الغربية تبحث في كل الاتجاهات عمّن يضمن لها التزود بالغاز ويجعلها تستغني عن الدب الروسي.
ولم يعد العالم يتجه صوب موريتانيا ويطلب ودها من أجل ثروتها السمكية، أو من أجل الحديد والذهب فقط، بل بات الغاز الطبيعي هو المقصد للعديد من دول العالم في سعيها الى تطوير العلاقات مع نواكشوط. فليس من باب الصدفة أن تسارع بريطانيا إلى فتح سفارة لها في بلد المليون شاعر منذ أشهر رغم أن البلد نال استقلاله منذ بداية ستينات القرن العشرين. كما ليس من باب الصدفة أن تحث إسبانيا الخطى لإبرام اتفاقية شراكة استراتيجية مع موريتانيا ما كانت لتحصل لولا هذا الغاز الذي بات السلعة النادرة التي يبحث عنها الجميع.
ولم تبقَ موريتانيا مكتوفة الأيدي مكتفية بما يتضمنه باطن أرضها من ثروات، إذ وضعت الخطط والبرامج لتطوير إنتاج الطاقات البديلة والمتجددة على غرار الطاقة الشمسية وذلك بالنظر إلى اتساع الأراضي التي يمكن استغلالها في إقامة الألواح الطاقية. فالشمس الحارقة على مدار العام تمكن من توليد كميات تكفي البلد، وتمكن موريتانيا من أن تصدر أيضاً هذه الطاقة المتجددة إلى أوروبا بعد أن يتم تحويلها، في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى الكهرباء لتشغيل أحدث أنواع وسائل النقل.
وتقوم خطة الحكومة الموريتانية على تطوير الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء من دون التخلي عن إنتاجها من الغاز أيضاً، أي المراوحة بين هذا وذاك في إطار تنويع المصادر وضمان حاجات المواطنين من جهة وما يكفي من الإنتاج لجعل البلد مصدراً لجلب العملة الصعبة. كما أن هذه الاستراتيجية لا تجعل البلد في تبعية طاقية، لا إلى الشركات التي تستخرج الغاز، وأغلبها شركات غربية، ولا إلى البلدان المصنعة لتكنولوجيا الطاقات البديلة على غرار الصين.
وتريد موريتانيا أن تجعل من قطاع الطاقات المتجددة قطاعاً محركاً لعجلة الاقتصاد ورافداً من روافد التنمية يساهم في التشغيل والقضاء على البطالة المنتشرة في البلد رغم التعداد السكاني الضعيف والذي يجعل من مسألة القضاء على البطالة مسألة بسيطة مقارنة بالبلدان التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في عدد السكان. ويمكن بالتالي لهذا القطاع أن يخفف من حدة الأزمة الاجتماعية كلما تطور وتوسع وشمل مناطق أرحب من الأراضي الموريتانية، بخاصة المناطق الأكثر بؤساً ناهيك بالأحياء الفقيرة في المدن الكبرى.
وبالتالي فإن البلد مرشح ليكون قطباً إقليمياً، ليس فقط في استخراج الغاز واستهلاكه وتصديره وتحويله إلى كهرباء، وإنما أيضاً في مجال الطاقات المتجددة التي يقع تحويلها بدورها إلى كهرباء. ويبدو أن نواكشوط تجد دعماً خارجياً لجهودها وستتفوق حتى على جيرانها المغاربيين في هذا المجال، وهم الذين تأخروا كثيراً في الإستثمار في هذه الطاقات برغم الجهود الحثيثة المبذولة في السنوات الأخيرة.
كما اهتمت موريتانيا بالطاقة الجديدة أي طاقة الهيدروجين التي لم تعِرها الكثير من دول العالم أي اهتمام إلى حد الآن، رغم أهميتها وباعتبارها غير ملوثة للبيئة وبدأ فعلياً عصرها من خلال إنتاج وسائل نقل تعمل بها. ويتم استخراج الهيدروجين من الماء باستعمال الطاقة الشمسية باعتبار التركيبة الكيميائية للماء المشكل من الأوكسيجين والهيدروجين، وبالتالي يتم فصل هذا عن ذاك.
وتتسابق الشركات الأجنبية الكبرى على استغلال هذا الكنز الطاقي الموريتاني الذي لا ينضب، وعلى تنفيذ المشاريع الكبرى والعملاقة سواء المتعلقة باستخراج النفط والغاز وتطوير إنتاج الحقول المكتشفة واكتشاف المزيد منها، أم بالمشاريع المتعلقة بإنتاج الطاقة الشمسية واستغلالها في إنتاج الكهرباء والهيدروجين على حد سواء. وستمكن هذه المشاريع موريتانيا من المنافسة الصناعية من خلال استغلال الوقود النظيف في صناعاتها، وخصوصاً صناعة التعدين، باعتبار أن نظافة الوقود الذي تتم به هذه الصناعات بات عنصراً من عناصر المنافسة مع دول العالم.
وكلما كان الوقود المستغل في الصناعات نظيفاً كانت البضاعة المنتجة أكثر قدرة على الولوج إلى الأسواق العالمية. وبالتالي فإن تطوير صناعة المعادن الخضراء، في بلد المعادن بامتياز، هو غاية الموريتانيين بالنهاية مستغلين إمكانات البلد في الطاقات المتجددة والتي قد تصل وفق تقديرات إلى إنتاج 4200 غيغاواط.
.
المصدر : النهار العربي