لعلّ تصريح وزير المالية اليوم المختار ولد اجاي، وهو شخص مقرب من الرئيس بصفة ملفتة ومن أكثر وزرائه نفوذا هو أول مؤشر مقلق حول سعي عزيز إلى تغيير الدستور بما يضمن له البقاء في السلطة فترة أطول فقد قال معاليه تحت قبة البرلمان: "بعض الأنظمة تستحق التجديد لثلاث مأموريات أو حتى أربعة، بالنظر إلى الرؤية الشاملة للتنمية والإنجازات على أرض الواقع". هذا التصريح انتهاك صارخ للدستور وتهديد للاستقرار إن نحن عدنا إلى نص الدستور نفسه، ومن المخجل أن يكون التصريح تحت سقف هيئة تشريعية. يقول الدستور في المادة 29 من الدستور: يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه. يؤدي رئيس الجمهورية قبل تسلمه مهامه، اليمين على النحو التالي : "أقسم بالله العلي العظيم أن أودي وظائفي بإخلاص وعلى الوجه الأكمل، و أن أزاولها مع مراعاة احترام الدستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية وان أسهر على مصلحة الشعب الموريتاني وأن أحافظ على استقلال البلاد وسيادتها وعلى وحدة الوطن وحوزته الترابية. " وأقسم بالله العلي العظيم ألا أتخذ أو أدعم بصورة مباشره أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تودي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور" و يؤدي اليمين أمام المجلس الدستوري بحضور مكتب الجمعية الوطنية ومكتب مجلس الشيوخ ورئيس المحكمة العليا ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى. فهل يكون كلام الوزير مخالفا لإرادة الرئيس وقسمه مع مخالفته الصريحة للدستور؟ أم أن عزيز نفسه هو من أمر أو غمز لتسريب مثل هذه التصريحات؟ الدستور يحد فترة الرئاسة بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحد حيث يقول في المادة 26 : ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر. يتم انتخابه بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها، وإذا لم يحصل أحد المترشحين على هذه الأغلبية في الشوط الأول، ينظم شوط ثان بعد أسبوعين. لا يترشح لهذا الشوط الثاني إلا المترشحان الباقيان في المنافسة والحاصلان على أكبر عدد من الأصوات في الشوط الأول. كل مواطن مولود موريتانيا يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية ولا يقل عمره عن 40 سنة ولا يزيد عن 75 سنة بتاريخ الشوط الأول من الانتخابات، مؤهل لأن ينتخب رئيسا للجمهورية. يجرى الانتخاب باستدعاء من رئيس الجمهورية. يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد 30 يوما على الأقل و45 يوما على الأكثر قبل انقضاء مدة الرئاسة الجارية. يحدد قانون نظامي شروط وصيغ قبول الترشيح وكذلك القواعد المتعلقة بالوفاة وبمانع الترشح لرئاسة الجمهورية. يستقبل المجلس الدستوري ملفات الترشيح ويبت في صحتها ويعلن نتائج الانتخابات. ويقول في المادة 28 يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة. الغريب أن الدستور في مواده هذه والتي وصفتها السلطات أنها "أقفال" دون الاستمرار في السلطة يضع أي محاولة لتغييرها في نفس الخانة التي يضع فيها الطعن في كيان الدولة أو النيل من الحوزة الترابية، وهذه خيانة عظمى، فكيف يتجرأ وزير نافذ بالتصريح بها تحت قبة البرلمان؟ يقول الدستور في المادة 99: "لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمى إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدإ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدإ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و 28 المذكورتان سالفا". كنت دائما أستبعد أي خطوة أو تفكير من النظام بهذه الخصوص، وليس ذلك ثقة في حكمته، ولا استنادا على تاريخه المليء بالقفز على الدستور واحتقار إرادة الشعب بدءا بالانقلابات مرورا بتقل المؤسسات الدستورية (مجلس الشيوخ أو روح الغول، وما حصل في المحكمة العليا مع السيد ولد الغيلاني) على سبيل المثال لا الحصر. أما الآن وقد تجرأ النظام أن يكشف عن بعض نياته بهذه الخصوص فإنه يتوجه على الحكماء من الشعب ومن جميع القوى الحية موالاة ومعارضة التعبير عن رفض هذا النمط من الطرح لأنه سيكون بداية لهزات قد ندفع جميعا ثمنها، ولا نعرف إلى أين ستؤدي بنا. لا يمكن لأي دولة أن تسير دون نظام وعقد اجتماعي وقوانين، والدستور هو أم القوانين، ولا يمكن أن نجتمع ونتفق عليه ثم يأتي أحدنا في كل مرة ويضرب بكل ذلك عرض الحائط متكأ على القوة العسكرية، لأن هذه القوة متغير، ولا يمكن التأكد من حسمها دائما، كما أن القهر لم يعد هو أداة الحكم المناسبة بعدما شاهدناه من الانفلات والدمار اليوم في العالم بسبب الاستبداد وغياب التناوب السلمي على السلطة، وعدم وجود آليات سلمية لحسم الخلافات. إن عزيز ونظامه ووزيره وكل من يتورط معهم في هذا الأمر هم المسؤولون عن ما قد يؤول إليه واقع البلد، عاجلا أو آجلا.
محمد الامين سيدي مولود