بني المسجد الحرام الذي جُعل أوّل بيتٍ يوضع للنّاس في الأرض ثمّ بني المسجد الأقصى بعده بأربعين سنة، وكانت هذه المساجد ممّا فضله الله وميّزه وممّا تشدّ إليه الرّحال، فالمسجد الأقصى الصّلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة عن ما سواه، وقد أسرى بالنّبي عليه الصّلاة والسّلام يوم الإسراء والمعراج إلى المسجد الأقصى من مكّة ثمّ عرج به إلى السّماء في رحلةٍ ربطت المسجد الأقصى والمسجد الحرام روحياً وعقدياً، وكانت فيها العبر والآيات، فالمسجد الأقصى مباركٌ من عند الله وما حوله . و قد صلّى المسلمون قبل الهجرة النّبويّة الشّريفة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً نحو بيت المقدس قبل أن تحوّل القبلة إلى مكّة، فقد كان حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمكّة كبيراً حتّى أنّه كان حين يستقبل بيت المقدس يصلّي والكعبة بين يديه، فرأى سبحانه وتعالى حرصه على استقبال مكّة فولّاه سبحانه وتعالى القبلة التي يرضاها، وقد كان اليهود يستقبلون بيت المقدس في صلاتهم فحرص النّبي على مخالفتهم بأن تكون للمسلمين قبلةٌ تميّزهم . و إنّ المسجد الأقصى وهو أولى القبلتين له فضلٌ ومكانةٌ لا تخفى إلاّ على جاهلٍ، فإليه تشدّ الرّحال وفيه صلّى النّبي عليه الصّلاة والسّلام وأمّ النّبيّين جميعاً، وفيه طائفة الحقّ المنصورة التي لا يضرّها من خالفها ولا من خذلها وهي باقيةٌ تقاوم عدوّها وتقهره بصمودها وثباتها حتى يأتيها أمر الله سبحانه وهي على ذلك، وهي ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس . و قد سعى اليهود لطمس هوية هذه المدينة المقدّسة ومحو معالمها الإسلامية، وهم يسعون من وراء ذلك لهدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم عندهم، فحرب اليهود عليه لا تنتهي، وحقدهم الأسود سوف يبقى حتى يأتي من يحرّر الأقصى من دنسهم ويطهّره من رّجسهم، وقد شهد المسجد الأقصى اعتداءاتٍ كثيرةٍ منها إحراقه على يد أحد المتشدّدين حيث أحرق منبر صلاح الدين بالكامل، ولا يزال أولى القبلتين الأسير يئنّ إلى الآن منتظراً صلاح الدين جديد، يعيد له يوماً من الأمجاد تليد .