(حَبْتَكْ لاَلَ مثل حساني قديم، ويعني فشل الشخص في مراميه عندما يصر بعد النصح، ويكتشف في النهاية أنما ذهب إليه خطأ.)
يحكى أن حاكما خلد إلى النوم بعد يوم مشحون بالأنشطة أدى خلاله زيارات للأحياء الشعبية في إطار برنامج يرمي إلى تهجين البشر والحيوان على حد سواء، وبينما كان في طريقه مع الموكب تخطى دما مسفوحا شيدت عليه عمارة لعفريت شهير يسمى شمهروش، وحرمه المسماة سفوس، وفي ساعة متأخرة من ذلك المساء، وبينما كان غارقا في النوم على سريره المفروش بالحرير حس بالنوافذ ترتعد، وقبل اكتمال وعيه فإذا بشيخ نير يرتدي ملابس بيضاء لحيته كثيفة وقد طلى أسفلها بالحناء، وقبل اكتمال صورة الزائر في ذهن الحاكم، أبدى شجاعة نادرة حيث مد يده للهاتف الأحمر وقال:"ألا يوجد حارس في المبنى"، فأجابه الشيخ بكل وقار: "أنا لم أدخل من الأبواب، ولا تراني العين المجردة، فاترك الحراس وشأنهم. أنا صديق جئت لأنقذك من عفريت حطمت منزله اليوم."
كان الحاكم في حيرة من أمره نظرا لتحصين القصر ويقظة الحراس، فأراد التوجه إلى دورة المياه، فقال له الشيخ: "ألزم مكانك، فإن بها أسرة شريرة لا ترحم"، فأجاب: "أيها الشيخ المحترم، لقد أردت غسل وجهي فقط"، فقال له الشيخ: "قل: اللهم لا تهلكنا بذنوبنا"، فكرر الحاكم وأضاف: "ولا بذنوب غيرنا"، فنهره الشيخ قائلا:"يكفيك ما اغترفته من الذنوب، والآخرون ذنوبهم لا تعنيك".
في الغرفة الموالية كانت السيدة تنام، فسمعت كلاما ففتحت الباب قليلا لتسترق السمع، حينها كان الشيخ يملي بعض الشروط على الحاكم للتخلص من العفريت، ومن ضمن تلك الشروط؛ رد الأموال المهربة، وكان يشرح له خطورة المال الحرام، وخاصة مال اليتامى والأرامل، ويكرر بأعلى صوت : "فإن أردت النجاة رد المال لأصحابه"، ففتحت السيدة الباب دون سابق إنذار وقالت: "المال خط أحمر، وما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة"، وفجأة دخل عفريت رأسه رأس حمار مضاعف، وأنفه يضخ حمما تتساقط على الفراش، والدخان يتصاعد من دبره كأنه حمام متنقل، وقال: "لقد حطمتم منزلي، وقتلتم أبنائي، وشردتم سكان بلدي، ومصيركم الآن أصبح على كفي هذا. إنكم مفسدون في الأرض، وأسماؤكم مدرجة عندي في لائحة تسعة رهط"، ثم اختفى.
بعد حضوره المواجهة، أراد الشيخ المغادرة، فناشده الحاكم بالبقاء، وقال: "أيها الشيخ رجاء أنقذنا من هذ الورطة"، فأجاب الشيخ ملتفتا: "للأسف الشديد، إن العفريت الذي شاهدتُه الآن ينتمي إلى أسرة شريرة خطيرة، تقطن في الصين، وأروبا والخليج وإفريقيا، نساؤها يقتلن الرجال، ورجالها يقتلون النساء، وتدعي أنها حارس لأموال الفقراء أينما حلت، وأنت الآن أيها الحاكم لست في خطر، لكن السيدة وضعها العفريت على كفه." ثم اختفى هو الآخر.
جلس الزوجان على السرير ثم قاما ليتأكدا من الأبواب والنوافذ، فوجداها مغلقة. وبنظرة خاطفة لا حظت السيدة أن السجاد قد احترق من حيث كان يقف العفريت، فصرخت قائلة: "لعن الله هذا المخلوق، إنه السجاد الذي جئنا به من سوق هونكونك". فقال لها الحاكم: "سد الله فاك، إن حياتنا في خطر، وأنت تفكرين في السجاد. قولي لي بحق السماء ماذا حل بنا؟" قالت السيدة: "إن الشيخ ركز على الأموال دون غيرها، وقال أن أسرة العفاريت تقطن في كل مكان، وهي على علم بكافة مدخراتنا، ألا يعني لك هذا شيء؟" قال الحاكم: "أتذكرين ليلة البارحة لما قلت لك أن الأوروبيين بصدد تمويل ضخم لدول إفريقيا الغربية، وخاصة الدول التي وقعت فيها عمليات نوعية، وقلت لك أنني سأمهد مع أصدقائي لعمليات مماثلة في بلدنا لنيل حصة من ذلك التمويل. ألم تلاحظي أن العفريت ادعى أننا قتلنا أسرته وشردنا سكان بلده؟" قالت السيدة: " نعم أتذكّر، لكنه كان مجرد نقاش ولم ينجز بعد." ثم سألت: "أيمكن للعفاريت الإطلاع على حساباتنا في الخارج؟"
كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا، فسمعا الأذان، ووقفا معا، ونظرا من النافذة فكان بزوغ الفجر، فعادا واسترخيا قليلا ابتهاجا بنهاية ليلة مشؤومة.
في الليلة الموالية، قررا تغيير الغرفة، واتفقا على أن يناما معا وأمضيا وقتا طويلا: شاخصين في السقف دون حديث، وفجأة ارتعدت النوافذ فإذا بالعفريتة الأنثى (سفوس) ترتدي لباسا مغطى بالأشواك، لا يستر سوى ما فوق سرتها، رأسها رأس إنسان، لكن شفتها العليا منزوعة، ولها سنان إحداهما من الأعلى والآخرى من الأسفل، وقالت للحاكم: "ايها العزيز، لقد جئت للنيل منك، وعادة اقبل ضحاياي قبل الإنقضاض عليهم"، قالت السيدة، بصوت طنان : "لن تقبليه ما دمت حية"، وخلال حوار النسوة، تسلل الحاكم ودخل تحت السرير، وبينما كانت العفريتة تتقدم رويدا رويدا، ظهر العفريت (شمهروش) على هيئته الأولى، لكنه عاريا؛ فسقطت السيدة من السرير، ودخلت تحته. فقال العفريت: "اخرجي أيتها السيدة وسلميني جميع أوراق العمارات والقطع الأرضية، ودليني على أستاذ محام، ساقطع راسه، وأعلقه على بوابة القصر، لحمايتكما من العفاريت الصغار." قال لها الحاكم من تحت السرير: "دليه على الأستاذ يحي ولد عبد القهار، لقد وجدني عزيزا في مقاطعته، والآن أصبحت منبوذا بسبب تصرفاته". قالت السيدة: "لن أدله عليه قبل أن أشعر أختي كي يدلها على المال قبل قطع رأسه". فجلس العفاريت فوق السرير، وقالت (سفوس) : " أيها الحاكم، لقد لقّبني أهلي بلالة، ومن قَبّلتْهُ لالّة –عادة- فعليه أن يدرك أن الضغط على المعارضة لن يجدي نفعا، وتكديس الأموال كذلك. فهل أنت جاهز لأقبلك؟"، قالت له السيدة: "لا تجبها".
وفي أثناء الحديث حس العفريت بشيء ساخن مس قدمه، كان البول يجري من تحت السرير، فتمتم الحاكم وقال: "إنه ماء زمزم، لا تغضب يا (شمهروش)، فأفٍّ بالرئاسة والمال والسيدات". قالت السيدة بصوت خافت: "بما في ذلك أنا؟" فأجابها الحاكم: "أنت رأس كل خطيئة". فنهر العفريتان معا حتى اهتزت الغرفة، وقالا بصوت واحد: "لدينا شروط إن لبيتموها سامحناكم الليلة". قال الزوجان وبأعلى صوت: "سنلبيها، سنلبيها".
بدأ العفريت بطرح شروطه وقال:
"1،أيتها السيدة : ستُقبِّل (سفوس) الملقبة لالّة، الحاكم أمام أعينكِ وبرضاكِ"، فأجابته :"لا أوافق".
"2، ستقيمين حفلا فاخرا على شرف جميع السيدات الأوائل بما في ذلك الأخيرتين." فأجابت: "لا أوافق".
"3، ستردين جميع الأموال، وتحولين جميع العقارات على إسم سفوس." قالت: "لا أوافق".
قال لها الحاكم : "سد الله فاك، لقد انتهى أمرنا." فأجابته: "هل تقبل أنت أن تقبلك لالّة أمامي؟" قال الحاكم: "نعم، لا"، فقالت (سفوس) لـ(شمهروش) : "اتركها، إنها لم تفهم الأمور بعد، وموعدنا ليلة غدٍ"، ومدت يدها من تحت السرير، وقبضت قدم الحاكم، وضغطت عليه بشدة وقالت:
"1، لقد سلّمكم المرحوم القذافي مبلغا كبيرا تم إيداعه في مصرف GBM غطّيتم منه الحملة الإنتخابية الأولى وطالبتم بإعادة الباقي، وظلمتم بذلك محمد ولد بوعماتو، فهل ستتوب وتعتذر؟"، قال:"لن أفعل".
"2، لقد عبأت السيد اعلي ولد محمد فال على الإطاحة بصديقه الحميم، ثم أبعدته بعد نجاح المخطط، فهل ستتوب وتعتذر؟" قال : "لن أفعل".
"3، لقد رشحت السيد سيدي ولد الشيخ عبد الله، ولما استتبت الأمور أطحت به وسجنته، فهل ستتوب وتعتذر؟"، قال: "لن أفعل".
"4، لقد خذلت المناضل الكبير والوطني مسعود ولد بلخير، فهل ستتوب وتعتذر؟" قال: "لن أفعل".
"5، لقد سجنت بيرام ورفاقه ظلما، فهل ستتوب وتعتذر؟" قال : "لن أفعل".
"6، لقد أهنت السيد أحمد ولد داداه وأسأت إليه، وهو شخص ذو حسب ونسب، ويتزعم أعرق حزب سياسي، فهل ستتوب وتعتذر؟" قال: "لن أفعل".
"7، لقد اتهمك الرئيس اعلي ولد محمد فال بالتعاطي مع الحركات الإرهابية، وهو رئيس سابق ومدير أمن خلال عشرين سنة، وفضلا عن ذلك فهو ابن عم لك، فهل ستتوب وتعتذر؟" قال:"لن أتوب لأنني فعلت ذلك عمدا، ولن أعتذر لأنني لا أقبل الهزيمة".
"8، هل ستقبل قطع رأس الأستاذ يحيى ولد عبد القهار؟" قال: "نعم، وإن اقتضى الأمر سأقطع يده اليمنى".
فقالت العفريتة بعد سرد الشروط:"ما دامت السيدة تعتبر أن المال خط أحمر، والحاكم يصر على أنه لن يفعل، سنحتل القصر نحن وأسرتنا جميعا عوضا عن منزلنا الذي هدموه، وسأقبّل الحاكم كل يوم سبع مرات، وكل ليلة سبع مرات." خرجت السيدة من تحت السرير ترتعد، وقالت لـ(سفوس) : "خذي المال كله ولا تقبليه من فضلك"، فأجابت العفريتة:"شكرا على كرمك، لكن أين وثائق القطع الأرضية، والعمارات والحلي؟ سآخذ –على كل حال- ما دليتيني عليه من مال الغير، وسنعود ليلة غد." ثم انصرفت أسرة العفاريت.
فخرج الحاكم من تحت السرير، وماء زمزم يتقاطر وقال للسيدة: "سآتي بطبيب أسنان، وعندما تأتي العفريتة ليلة غد، سينتزع أسنانها"، فأجابته السيدة: "أن تقبلك (سفوس) بأسنانها خير من أن تقبلك بعاجها" و أردفت قائلة: "وماذا سأفعل أنا لعفريت يقذف الحمم من أنفه ويتصاعد الدخان من دبره؟" فأجابها الحاكم: "اجعليه في اتصال معL’ADU(ولد مناه)" وسلميه أوراق الأرض المحاذية للصحراوي، وراوديه عن نفسه." قالت السيدة: "أنا لست امرأة العزيز، وهو ليس يوسف، وعندما يعود العفريت (شمهروش) سأقول له أن ما مس قدمه ليس ماء زمزم بل البول أيها الجبان".
من وحي الخيال..يتواصل
محمد المختار ولد احمين أعمر/ عمدة أوجفت السابق