أسئلة كثيرة فرضها "تسريب" قوائم المقاتلين المنضمين إلى تنظيم "الدولة"، التي تداولتها بكثافة في الأيام الأخيرة كبرى وكالات الأخبار العالمية والعربية، بعد أن نشرها أول مرة موقع "زمان الوصل" التابع للمعارضة السورية، وأكدت أجهزة الاستخبارات الألمانية أصالة القوائم واعتبرتها "كنزاً استخباراتياً ثميناً". وعلى الرغم من الميول الغربية لاعتبار التسريب أكبر اكتشاف استخباراتي تم الحصول عليه منذ ظهور التنظيم، إلا أن عدة عوامل وأسئلة تشكك في كون نشر القوائم جزءاً من خطوات مقصودة يتخذها تنظيم "الدولة"، ما يعني أنه سهّل بطريقة ما وصولها إلى أيدي الإعلام لأهداف متعلقة بضبط عناصر التنظيم. في هذا السياق أشارت تقديرات مراقبين إلى أنه في حال كان النشر مقصوداً فإن هدفه بالغالب التعامل مع أي احتمال انشقاق داخلي في التنظيم؛ أي ردع أي احتمال لعودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم وانسحابهم من القتال إلى جانب التنظيم، وذلك عن طريق نشر أسمائهم وتفاصيلهم الشخصية والعائلية وعنوان سكنهم؛ ممّا يجعلهم عالقين داخل التنظيم غير قادرين على العودة لممارسة حياتهم في بلدانهم الأصلية؛ لأن مصيرهم في الغالب سيكون السجن الأبدي في أحسن الحالات، كما أن التنظيم بذلك سيمنعهم من التهديد بالانسحاب مقابل المطالبة برفع الأجور. وما يثير الشكوك حول صحة هذه التقديرات كون القوائم التي سربت تحتوي على كثير من التفاصيل التي يمكن أن تستخدمها الاستخبارات الدولية بفعالية لملاحقة عائلات المقاتلين، ومعرفة أماكن سكنهم واستجوابهم، كما أن القوائم ليست حديثة إذ يعود تاريخها لعام 2013؛ ممّا يعني وجود احتمال أن يكون المقاتلون المنضمون في تلك الفترة يفكرون اليوم في التراجع. من ناحية أخرى، يستبعد المحلل السياسي والاستراتيجي لصحيفة "هآرتس"، تسبي بارئيل، أن تكون القوائم سرّبت قصداً عن طريق التنظيم. فمن وجهة نظره، استقطاب المقاتلين الجدد هو أحد الأسس التي يرتكز عليها التنظيم وأحد أهدافه الدائمة، وعليه فإن تسرب هوياتهم وتفاصيلهم الشخصية سوف يردع الراغبين بالقتال ضمن التنظيم عن الانضمام؛ خوفاً من كشف هوياتهم وتعريض عائلاتهم للخطر وحرمانهم من الانسحاب من القتال. إلى جانب ذلك، قللت صحيفة "ذا ديلي بيست" الأمريكية من أهمية هذه الوثائق، ونقلت عن مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى قولهم إن هذه الملفات المسربة لا تحتوي على كثير من الأسرار عن التنظيم، وإن الوصول إليها لا يحتاج لمنشقين عن التنظيم بل يمكن الوصول إليها عن طريق مصادر عامة. إلى جانب ذلك، يضيف المسؤولون أن القوائم تحتوي على أسماء لمقاتلين ربما قتل كثير منهم منذ عام 2013 وحتى اليوم؛ ممّا يقلل من قيمتها وفائدتها في محاربة التنظيم. وبغض النظر عن كون الوثائق سُرقت أو سُرّبت بإرادة التنظيم وعلمه، فهي تدل على وجود بنية بيروقراطية مرتبة ومنظمة، وعلى متابعة تنظيمية حثيثة، وعلى آلية توزيع المقاتلين بالجبهات المختلفة وفقاً لحاجات التنظيم وخبرات المقاتل. إذ تبين القوائم أن أحد الأسئلة التي يجب على المنضم الإجابة عنها هي خبرته وتخصصه السابق؛ وذلك لأجل الاستفادة منه بوضعه في مكانه المناسب وفقاً لمؤهلاته. وفي هذا السياق يقول بارئيل إن هذه الوثائق كشفت آلية استقبال التنظيم للمقاتلين؛ ممّا ينفي الادعاءات والتقديرات السابقة أن التنظيم يعتمد على مجموعة متطوعين عشوائيين يثيرهم القتال ضد "الكفار" ويجمع بينهم. فالقوائم تدل على أن كل منضم عليه أن يأتي بتوصية من مقاتل سابق، أو من شخصية دينية موثوقة لدى التنظيم، وعليه أن يختار نوع نشاطه المرغوب: عمليات انتحارية أو نشاطات دينية، هذا إلى جانب تفاصيل عن عدد سنواتهم الدراسية، وأرض المنشأ، وممتلكاتهم المتروكة في بلادهم وفصيلة دمهم. ويرى بارئيل في هذا السياق أن السؤال حول الممتلكات والوضع الاقتصادي العام يهدف لمعرفة إن كان المقاتل يطلب الانضمام إلى التنظيم لتحسين وضعه الاقتصادي أم من منطلقات أيديولوجية، كما أن السؤال حول التخصص ومجال الخبرة يخدم أجندة التنظيم ببناء وإدارة مؤسسات دولة. إلى جانب ذلك، الاستمارة بنيت وفقاً لمعايير عالية باختيار الأسئلة، فهي تضم أسلوباً معروفاً في استمارات علم النفس وهو وضع أسئلة "متقاطعة" وهي المخصصة للكشف عن الكذب. وعلى كل حال، يجدر الوقوف عند فائدة هذا التسريب المرجوة في محاربة التنظيم. فهل مجرد معرفة أسماء المقاتلين، الذين قتل جزء منهم، سيفيد التحالف الدولي في القضاء على "الدولة" أم أنه يدل فقط على آلية عمله؟ في هذا السياق يرى مراقبون أن الاستراتيجية التي يتبعها التحالف الدولي لا تشمل ملاحقة أفراد التنظيم واحداً واحداً، بل محاربة التنظيم ككل عن طريق تدمير منشآته وقطع حلقة الوصل بينه وبين موارده التي يستمد منها قوته؛ سواء كانت هذه الموارد طبيعية كالنفط أو عسكرية. ويذكر أنه بحسب ما اطّلع عليه موقع "الخليج أونلاين" في صحيفة "ذا ديلي بيست" الأمريكية، فإن القائمة التي تضم 1700 اسم غالبيتهم من العرب (72%)؛ ومن بينهم 27% سعوديون و21% تونسيون وآخرون من المغرب ومصر، إلى جانب 35 فرنسياً و6 كنديين و4 أمريكيين.