ما قبل البداية؛ وقبل الدخول في صلب الموضوع دعوني أكشف لكم أن اجتماع المجلس الوطني للحزب الحاكم كان من المقرر أن يتحول إلى مؤتمر عام، لكن تنسيقا بين جناح سياسي داخل النظام وبين بعض حلفائه في المعارضة أنقذ بعض أساطين الجناح المذكور؛ حيث كان قد تقرر مغادرتهم لمراكزهم في الحزب؛ إلا أن إيعازهم لأحزاب معارضة بإصدار بيان يحمل الأغلبية مسؤولية عرقلة الحوار تزامنا مع انعقاد دورة المجلس الوطني للحزب الحاكم كانت نقطة تحول في الوقت بدل الضائع لإبقاء الوضع على ماهو عليه في الحزب حتى ينتهي الحوار.
التنمية أم الحوار..؟
وللرد على التساؤل الذي طرحت بالأمس، أريد أن أذكر أن موريتانيا اليوم تحتاج للتنمية أكثر من حاجتها للتشاور أو الحوار، فمنذ وصول الرئيس غزواني لسدة الحكم استطاع بأسلوبه الكيس أن يقضي على القطيعة؛ ويصل ما أمر الله به أن يوصل؛ ويبعد الفتيل عن اللهب، لتبقى ملفات كالتنمية والحرب على الفساد أهم مايوضع نصب عيني أي قائد بحجم طموح رئيس الجمهورية.
فنصف مأمورية الرئيس غزواني الأولى قد طبعته معالجة اختلالات الماضي ومجابهة جائحة كورونا؛ وقد انتصر في كليهما نصرا مؤزرا بفضل الله ثم بحسن نيته وتدبيره.
نصف مأمورية كان المواطن البسيط الهدف الأول الذي يشغل الرئيس غزواني، يُستشف ذلك واضحا من خلال مناطق تشييد مشاريع البنى التحتية والبرامج الاجتماعية والمشاريع الموجهة للفئات الهشة في فترة حكمه.
توجه لم يرضي مجموعات سياسية وإن أسروها في أنفسهم؛ هذه المجموعة مكونة من موالين ومعارضين مردوا على السيطرة على القادة، وانتظموا طوال العقود الماضية على شكل عصابات تتبادل الأدوار؛ وبعد التشاور قررت المجموعة التحرك ضد إرادة وتوجهات الرئيس غزواني لأن خطره عليها وعلى مستقبلها بات واضحا.
ناقوس الخطر
بعد أن تم تسريب محتوى مجلس مدريد وما تضمنه من لغة تكشف أن الرئيس أصبح يضيق ذرعا بالجماعات السياسية المحيطة به؛ جاءت القاضية ضحوة 24 مارس في حفل جامع؛ كان مناسبة أعرب فيه غزواني عن شعوره بالإحباط من جماعات السيطرة المحيطة به بكل وضوح، ثم أشفع الكلام بالفعل أيضا وذلك من خلال إقالة الحكومة، حينها تنادت الجماعة مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين.
وحتى لحظة الإعلان عن إعادة تكليف ولد بلال كانت جميع المؤشرات توحي أننا أمام عملية مسح للطاولة بالكامل، وأن النصف الأخير من المأمورية سيخصص للتنمية ومحاربة الفساد، وخدمة المواطن وأن وجه الرئيس سيخلو للمواطن العادي والفئات المغبونة التي جاء أساسا من أجل خدمتها.
لكن جماعات الضغط السياسي استطاعت في آخر اللحظات أن تؤجل قيامة التنمية والإصلاح في البلاد، كما أجلت المؤتمر العام للحزب الحاكم خلال الشهر الماضي، ولأن صراع البقاء يفرض على تلك الجماعة الكثير مما لا يقال وماهو مصنف في خانة غير المباح؛ لكنه موجود بالفعل، ولكم أن تتركوا العنان لخيالكم تصورا للطرق التي استخدمت الجماعة كمكبح لتنفيذ أجندة صاحب الفخامة غزواني المعلنة في خطاب 24مارس وتسريب مدريد وقبل ذلك خطاب وادان.
بصفة أو بأخرى استطاعت جماعات الضغط السياسي أن تمدد لنفسها "إلى حين"، في لحظات استطاعت فيها القضاء "مؤقتا" على بلسم الأمل الذي منحت كلمات الرئيس غزواني للموطن زوال 24 مارس، بقصر المؤتمرات الجديد في حفل تخرج الدفعة الأكبر في تاريخ المدرسة الوطنية للإدارة.
وبالإضافة لذلك استطاعت تلك الجماعات أن تستخدم ملف محاربة الفساد خلال السنتين الماضيتين كسلاح لتصفية الحسابات الشخصية القديمة؛ لتستثني منه من تشاء ولتلبسه لمن تشاء.
ورغم تصريح الرئيس في مدريد بمدى فقر البلاد وعوزها وتأكيده عليه في قصر المرابطون؛ وماتتطلبه المرحلة من برامج استعجالية؛ واصلت الجماعة مسلسلات الإفطارات والمآدب الباذخة والحفلات في نفس الوقت الذي لايجد بعض المواطنين قطرة ماء في موعد إفطاره.
وللأمانة والتاريخ أجدني مرغما على توضيحٍ من موقع المنحاز لخيارات الرئيس غزواني؛ الغيور عليها؛ البصير بما يتهددها؛ المتابع لمساراتها؛ لأقول أنه إن كان الخطر في الماضي خارجيا؛ فقد أصبح اليوم داخليا، وأن المنحى الذي تُسير جماعات الضغط السياسي الأمور باتجاهه الآن لاتخلو نهايته من خيارين:
أحدهما صدام مع الشعب.
والثاني صدام مع حماة الشعب.
وأن تلك الجماعة لن تشكل صمام أمان وقت الحاجة، لأنها في تلك اللحظة ستكون مشغولة بإعادة تشكيل نفسها قرب ولي نعمة جديد.
نموذج يحتذى...
استطاعت المؤسسة العسكرية الوطنية أن تحجز القطاع الأكثر نجاحا في بلادنا؛ وأن تظل صمام أمان يحسب له ألف حساب، وقد استطاعت أن تضمن مكانتها بسبب بعدها عن تلك الجماعات التي تتشكل قرب كل وافد جديد على القصر الرمادي بعضها يمثل دور الموالي، والبعض في دور المعارض، ثم ما إن يرحل رئيس حتى يورثها لخلفه.
حفظ الله بلدنا ووفق قيادتنا
أحمد ولد الدوه