تأتي ترتيبات منتدي المعارضة وحزب التكتل لأوراقهما الداخلية في وقت تملأ فيه عبارة "الحوار" كل الأفواه ،وفي سياق يوحي أن توجها جديا أصبح قريبا، وأن السياسيين قد شرعوا بالفعل في تأسيس البدايات الصحيحة للتحول الديمقراطي ،وقبل هذا الإجماع –المُفترض -الذي ظل يلوح في الأفق
منذ أن أطلق الرئيس عبارته الشهيرة من شنقيط ؛فإن أحدا لا ينكر أن الأجواء العامة ظلت تتقدم –وإن ببطء- نحو الحوار، ولكن ماعلاقة الترتيبات الداخلية للمعارضة بالجدية في عقد الحوار؟ وهل أصبح الحوار لغزا يستعصي علي المراقبين فهمه؟
من عادة النظام الحالي أن يلجأ إلي المناورة ،والمداورة ،والانحناء قليلا ،لكنه مايلبث أن يُخرج ترسانته من الأسلحة الثقيلة ليمنع التغيير من الوصول إلي أسوار حكمه الحصينة -في نظره – ،فمن الصعب عليه حل معادلة الإمساك القوي بالسلطة من جهة، والمرونة وقبول الاختلاف في سبيل ممارسة الديمقراطية من جهة ثانية .ربما يحدث ذلك نتيجة أمور أهمها: أن فكرة الغلبة ،والقوة لا تغادر ذهن العسكري، ولن تسمح له تلك الفكرة الراسخة في لاشعوره بمسايرة التحولات الجارية داخليا ،وخارجيا، لذلك لا تبدو أقوال النظام مطابقة لأفعاله دائما، فهو يعبر باستمرار عن أشياء لايريدها في الواقع، وليس الحوار إلا كلمة من تلك الكلمات، أراد لها الرئيس أن تكون عصا سحرية لحل مشاكله السياسية مع المعارضين، وقد أطلقها في الوقت المناسب عندما كانت المعارضة منهكة بفعل ربيع الثورات العربية الذي ركبت موجته ،ولم تحقق منه شيئا؛ فكانت دعوة الرئيس مواتية لتغير المسار، والتوجه بالفعل المعارض نحو ما سمي ب"الحوار".
دخلت المعارضة والنظام مرحلة جديدة ،مليئة بالسجالات الإعلامية ،والمحاولات التكتيكية للظفر بشيء تجهله كل الأطراف ،ولكنها مع ذلك تطلبه :
حوار النظام مع المعارضة بالنسبة له: (مجرد تسلية عابرة ،ولحظة انحناء مؤقتة)، وحوار المعارضة مع النظام هو أيضا: (تعلق بشيء تعلم يقينا أنه سراب، لكنها مع ذلك تسعي إليه). إذا كان هذا التحليل دقيقا في واقع الأمور، إلا أنه في مجال السياسة لايبدو كذلك ؛فالمشهد السياسي الحالي يتجه نحو الانفراج ،والأدلة التالية تؤيد ذلك:
- قرار تكتل القوي الديمقراطية الابتعاد قليلا عن التنظيمات المعارضة ،والظهور كلاعب قوي ،ومستقل ،وعنيد موقف ليس بالجديد ،ولكنه تعبير عن استعداد جدي لأمر وشيك ،وقد سلك الحزب العتيق ذات المسار خلال محطات التحول القليلة التي مرت بها البلاد أثناء فترة حكم المجلس العسكري ،وإبان توقيع اتفاق دكار .و.و
- منتدي المعارضة استطاع هو الآخر العودة إلي مسار حزبي يقوده فارس متمرس(الرئيس صالح ولد حننا) دخل كل المعارك السابقة ،واشترك مع التكتل في بعضها ،ومع بقية الأطراف في بعضها الآخر مما يؤهله لقيادة المرحلة داخل المعارضة من خلال: المحافظة علي أرضية مشتركة تلتقي عندها جميع مكوناتها السياسية ،وتحقق الانتقال النوعي في مسار الحوار من خلال استراتيجية جادة لاتُهمل لغة القوة ،وامكانيات المجابهة بالأساليب النضالية الفعالة ،وهو ما تُعبر عنه زيارات قادة المنتدي للولايات الداخلية والتلويح بالتصعيد في النضالات الشعبية والنقابية ...
- أخيرا نستخلص مايلي :يمكن أن يكون تزعم الرئيس الموريتاني للجنة الإفريقية للوساطة بين النظام والمعارضة في وسط إفريقيا قد ألهمه شيئا من الزهد في الرآسة ،واحترام إرادة الشعوب في التغيير ،كما أن اندفاعه "المتردد" لمشاركة العربية السعودية في حروبها الشرق-أوسطية قد تحمل له الكثير من المعاني الكفيلة – وحدها - لتذكيره بأهمية التناوب السلمي علي السلطة والخروج الآمن من مآلات الحكم الاستبدادي (والاعتبار بالقذافي واقباقبو والأسد ووووو)..