رأينا صولات الأدباء، وسَوْءات الأدباء، وأزكمتنا رائحة الشواء في قوافي الأدباء، ومللنا صوت قِطَع الدراهم في معلقات الأدباء، لكننا صبرنا خاسئين!..
رأينا الساسة يبصقون على وجه المُثل، ويطالبون بمملكة للزنابير، ويلعنون الوصايا المنقوشة في جبل الطور، فصبرنا، ننتظر الفرج.
أما أن نرى ونسمع "كبار" الموظفين، رُسُلَ القصر، ورَجْعَ صوت السلطان، وهم يهللون لأيام القبيلة، وأمجاد الفرس المحجّل، وفتوحات الصحراء الكبرى، وخباء بثينة، وصعلوكيات عروة بن الورد، فذلك ما لم نستطع عليه صبرا. إنه محزنٌ علينا، حقا، أن نراهم يجالسون أمراء "الربع الخالي" وزعامات قبائل الوطواط.. ومربك وثقيل علينا أن نراهم، تحت ضغط المجاملة السائبة، يهرسون الدولة في طاحونة القبيلة علنًا ودونما حرج.
قد يسكن الأدباءُ فينا جفونَ الخبز.. وليس صعبا علينا أن نتفهمهم. وقد يضربون خيامهم بين جدران التملق المغشوش.. ومن الإنصاف تارة أن نتفهمهم..
وقد يقيء الساسة ما أكلوا أيام لم يقيموا للربوبية وزنا خارج جبروت الحكام، ولهم في ذلك أعذارهم وقراءاتهم المرحلية..
لكن أن يدخل ممثلو هرم السلطة حالة من السكر تجعلهم يُذيبون الدولة في ماء القبيلة ليشربوا، مع الضيوف، سلافة التراجع الصارخ لكل مفاهيم الحداثة والعصرنة والمواطنة، فذلك ما لن نصبره أو نصمت عليه مهما كلف من ثمن. أعرف أن أي رسول رسمي لن يجد حرجا في الرد عليّ بقول التلميذ النزاري:
"أخذتُ في درس التصوف صفرًا
ودرس التقشف صفرًا
ودرس القناعة صفرًا
ودرس الغرام الرومنسي صفرًا
ولكنني ما تفوقتُ
إلا بدرس الجنون".
بقلم محمد فال ولد سيدي ميله