يبدو أن النقاش يتوسع في موضوع اللغة عموما، وإشكالية اللغات الوطنية الثلاث البولارية والسنوكية والولفية خصوصا، والظاهر أننا بين موقفين يبالغ أحدهما حتى يطالب بترسيم كل هذه اللغات لتصبح مع العربية لغات رسمية للبلاد وهو أمر قد أعود له لاحقا، ويتطرف الآخر حتى يقول بأن هذه اللغات (يسميها لهجات فقط) لا تدمج في النظام التعليمي فهي غير صالحة لأن تدرس أحرى أن يدرس بها، ويجزم هؤلاء أنه لا توجد دولة تفعل ذلك ممن يسكنها ناطقون بهذه اللغات أغلبية كانوا أو أقلية، ولعل الموضوع يستلزم الوقفات التالية:
1 - ليس صحيحا أن الدول التي توجد فيها مكونات إفريقية تتحدث لغاتنا المذكورة أو غيرها من اللغات المحلية، لا تدمج هذه اللغات في النظام التعليمي، ففي السنغال القريبة أصدر الرئيس الأول لها ليوبول سدار سنغور سنة 1971 مرسوما بكتابة ست لغات هي : ولوف، سرير، اديولا، بولار، مانديك، سونيكى
وبدأت تجربة الأقسام المزدوجة (فرنسية-ولوف) 1978 تحت وصاية وزارة التهذيب الوطني، ثم تتابع إدماج هذه اللغات المحلية حتى تجاوز الست المذكورة، بل إن الأمر وصل مرحلة متقدمة وذلك عندما أصدر امباي فاي كتابا في الرياضيات 2004 بالولفية، وقد أعد الباحث المقتدر داودا انجاي أطروحة للدكتوراه في جامعة باريس8 سنة 2008 " تدريس اللغات الوطنية في المدرسة الابتدائية : نموذج الولفية في السنغال"
ولم يكن الأمر خاصا بالسنغال ففي النيجر ومنذ البداية بدأ تدريس اللغة النيجرية (هكذا أطلقوا عليها رسميا) إلى جانب الفرنسية، ثم أضيفت الهوصا سنة 1973 ثم زاما سنة 1976 ثم كانوري وتماجغ سنة 1979، وفي مالي تدرس اللغة المحلية من السنة الأولى لتلحق بها الفرنسية من السنة الثانية.
وفي توكو بدأت التجربة منذ 1975 وفي ساحل العاج يدرس أكثر من 8 لغات محلية، وفي كينيا أدمجت 18 لغة محلية في النظام التعليمي، وفي سنة 2016 بدأت مجموعة من الدول المرحلة الثانية من برنامج ألانه أفريك Elan Afrique المتعلق بإدماج اللغات الأم في النظام التعليمي ويتعلق الأمر ب: بنين، بركينا فاسو، بوروندي، كامرون، الكنغو الديمقراطية، مالي، النيجر، السنغال، غينيا، توكو، مدغشقر، ساحل العاج.
2 - لا أرى أن يخوض أصحاب السياسة وأهل الرأي في القضايا الفنية والكيفيات والمستويات فذلك شأن أهل الاختصاص في مجالات التربية والتعليم، وحسبنا الرأي في التوجه المعتمد، ومن هنا كان رأيي : أن تدمج اللغات الوطنية الثلاث في النظام التعليمي، فهذه أيها الأحبة لغات أم لأهلها وأبنائها وهم موريتانيون خلص، ثم يعمل على تطويرها في أفق التدريس بها في المستويات التي تسمح بذلك.
3 - الأمر في رأيي يتكامل مع التوجه القائل بأن اللغة العربية تكون اللغة الرئيسية في التعليم في كافة مراحله ومستوياته وتخصصاته، مع اعتماد ازدواجية انتقالية يتحدد مداها ومستوياتها حسب الاعتبارات الفنية والعملية، وانفتاح واسع على تدريس اللغات الحية وخصوصا الفرنسية والانجليزية.