يسود حديث هذه الأيام عن حرص رسمي على ما وصف بأنه إصلاح للصحافة، وحقيقة يحتاج هذا المصطلح للتدقيق.
حرص حكومة البلد على إصلاح الصحافة، ومحاولة تشخيص حالها، والوقوف على اختلالاتها، أمر سابق لأوانه، وربما في حال انتظر به وقته المناسب تم الاستغناء عنه، أو عن كثير منه.
إن الناظر لوضع بلدان العالم الثالث، وما تشهده من تردي في الأوضاع وعلى شتى الأصعدة سيدرك جليا أنه لا معنى لما يمكن اعتباره محاولة خلق صحافة صالحة في أرضية فاسدة، طاردة لكل ما هو صالح.
الأنظمة الحاكمة في دول العالم الثالث، تمتلك بطانة في أغلبها لا يخدمها وجود صحافة جادة بمقدورها كشف فضائحها واستباحتها للمال العام، ولذا ستظل حريصة وبكل ما أوتيت من قوة على أن لا تجاورها صحافة حقيقية ومؤثرة، لأن وجود صحافة بمستوى عال يعني زوالها لا محالة.
هذه البطانة تنتهج طرقا شتى لمجابهة مشروع صحافة صالحة قادرة على تأدية الدور الطبيعي التقليدي لها، والمتمثل في اطلاع الناس على حقيقة الدنيا من حولهم، ولعل "تمييع" مهنة الصحافة وجعلها محتقرة يظل أنجع السبل وأقصر الطرق للحرب على الصحافة.
ما يصنف على أنه صحافة هنا في موريتانيا يمكن اعتبار نسبة 90% منه أناس دخلاء على المهنة بعيدون كل البعد عن الصحافة ويجهلون دورها وماهيتها، وهمهم الأبرز هو اضعاف ان لم نقل قتل الصحافة، حتى تظل بطانة السوء عابثة بخيرات البلد.
ومن هذا المنطلق سيكون من العبث العمل على إصلاح الصحافة، في وقت لا تبدو البيئة مناسبة وبعيدة كل البعد عن ذلك، فبالتالي من الأفضل إطلاق إصلاح وطني شامل، يبدأ من أعلى الهرم، وسيجد الصحافة جاهزة لمواكبة الإصلاح.
في بلدنا تخضع الصحافة لسلطة الحاكم، وسلطة القبيلة والجهة، والأيديولوجيا، ولا مساحة للتحرك والتخلص من قبضة أيادي هي المجابه الرئيسي للصحافة الساعية للقيام بمهمتها النبيلة.
إن تجارب الإصلاح هنا باء أغلبها بما يمكن أن يعتبر فشلا، ولا مسوغ لذلك الفشل، إلا أن ثمة قدرة أعلى تريد أن يظل الحال على ما هو عليه.
فقد تم تنظيم أيام تشاورية قبل سنوات، واصدرت توصيات أين هي واين نتائجها، وبعدها شكلت لجنة للإصلاح لا زلنا نترقب نتائج عملها، كما أن السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية خاضت تجربة لمحاولة إجراء مسح شامل للصحافة وللمؤسسات الصحفية، ولكن لم يستطع هذا المسح تبيين الغث من السمين على الأقل لنا كمتلقين.
على السلطة الحاكمة، والوزارة الوصية أن توجه أسهم الإصلاح للمؤسسات العمومية، وتصحح وضع عمالها، ورسالتها الإعلامية.
الدعم الهائل المخصص للمؤسسات الإعلامية العمومية يستحق فعلا جلسات إصلاح وتمحيص لتحديد أوجه الصرف، واتجاه البوصلة.
أما آن للمواطن العادي أن يحس فعلا بأن الخطاب المقدم في هذه المؤسسات يتطابق مع واقعه، أو يقترب منه، تلك هي الإشكالية الأكثر تعقيدا، والتي تستحق أن تقام لها ورشات إصلاح.
ان تفعيل دور مؤسسة الاشهار، ورسم خارطة عمل لها، وتمكين الصحافة من موارد مالية من مصادر متعددة، لا منة فيها ولا ضغط، يمكن أن يكون بداية إصلاح أو بريق أمل، في خلق أرضية تبعث على الاستقلالية التي هي أساس تأدية الدور المنتظر من الصحافة.
وبالرغم من هذا فإنني لا أمانع أن يولد من رحم معاناة صحافتنا من يرفع لواء التمرد، ويشق الدرب ضاربا عرض الحائط بكل العوائق التي قد تعترض طريقه، ويكون بداية النور لصحافة آن لها ان ترى النور.
مصطفى سيديا