تحتاج الدول في نهضتها ومحاربتها للفساد أن يكون ثمت عقد يحكم العلاقة بين أفرادها، و اتفاق على الآلية التي يجب اتباعها حين يخترق العقد، وما ذلك العقد وتلك الآلية إلا القانون.
وهذا القانون الذي جرم الفساد المالي هو نفسه الذي جرم الفساد الإداري؛ و ما وجد الأول إلا بوجود الثاني الذي يتنزل فيه تصريح الدكتور؛ فهل من حق ولد هارون ماقام به؟ وماهو الأثر المرتب عليه؟ وما علاقة غزواني بالملف؟
أولا: التكييف القانوني للتصريح
قد يشعل الرأي العام أناس حظهم من معرفة القانون هو ترديد مصطلح "الحرية" و "محاربة الفساد" دون استشعار للضوابط والحدود، ومن ذاك جهلهم بأن حرية الموظفين والوكلاء العقدويين للدولة لا يمكن أن تصل بهم إلى إفشاء السر المهني كما في نص المادة 12و المادة 102 من القانون رقم 09-93 الصادر بتاريخ 18 يناير 1993 المتضمن النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة.
والسر المهني بغض النظر عن الخلاف الوارد في تعريفه فقد أجمع الفقه على أنه هو ما اشتمل على مقومتين وركيزتين أساسيتين هما:
- ارتباط الواقعة السرية بالوظيفة أو المهنة؛ وقد صرح ولد هارون أنه اطلع على الملف بحكم وظيفته..
- عدم شيوع الواقعة لدى الكافة؛ وهو مالم يحصل إذ تم تدوال التصريح على أنه خبر جديد.
وبناء على هذا فإن ماقام به المستشار إفشاء للسر المهني، المجرم والمعاقب بنص المادة 350 من الأمر القانوني رقم 63-183 المتضمن القانون الجنائي.
ثانيا: آثار إفشاء السر المهني وعلاقة الرئيس بالملف
أهم آثار إفشاء السر المهني: استحقاق صاحبه للمساءلة والعقوبة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة المالية المحددة مابين 5000 إلى 60000؛
وطلب المتضرر التعويض.
علاوة على ما ينبغي القيام به من طرف السلطات التنفيذية والقضائية من إنارة للرأي العام و فتح للتحقيقات.
أما إرسال الملف إلى الوزير الأول ثم إلى الرئيس و وقف الأخير للتحقيق فيه فهو مما لايستقيم قانونا؛ فالضابطة القضائية تحيل محاضرها إلى وكيل الجمهورية بنص المادة 22 من قانون الإجراءات الجنائية؛ وفي حالة حصول العلم لوزير العدل بوقوع جرائم فإنه يحيلها إلى المدعي العام وليس إلى الوزير الأول وذلك بنص المادة 31 من قانون الإجراءات الجنائية؛ فما علاقة الرئيس القانونية إذا بالملف؟ !
فإن كان -الرئيس- طلب الملف و أمر بوقف التحقيق فقد تدخل للقضاء في عمله؛ وإن كان بمبادرة منهم -وزير العدل والوزير الأول- فهو تزلف وانتكاسة؛
وإن كان لم يقع فهو افتراء ينضاف إلى عدم شرعية الدليل.
ختاما نحتاج فعلا إلى احترام الحريات، و الكشف عن جرائم الفساد و محاربة التستر عليها، وهي نفس الحاجة التي عندنا في إرساء مبدأ سيادة القانون والمحافظة على شرعية الدليل وإلا فإننا سنحارب الفساد بفساد أخطر منه.
وحين نسعى لإرساء دولة القانون فإنه يتعين علينا أن لاتعمينا الكلمات الرنانة ودغدغة المشاعر وغلبة العاطفة على الإنصاف والعدل.
محمدن أحمد حمني