شهدت الفترة الماضية حالات غريبة من التصريح بتأخر أشغال الطرق والجسور والتهديد بالعقوبة حيث دأب معالي وزير التجهيز و النقل على الزيارات المتلاحقة لأشغال - جسري نواكشوط وجسر روصو- ومقطع بتلميت ألاك من طريق الأمل؛ وتكرار الإعلان عن تأخر القائمين على تنفيذ تلك الأشغال في التزاماتهم وتهديدهم بفسخ العقود معهم، ثم ما يلبث أن يعود لزيارة تلك الأشغال ويؤكد على تأخر إنجازها والوعيد بالعقوبة وآخر ذلك يوم السبت 25/09/2021 حيث قام بزيارة "لمشروع جسر" حي الساكن معيدا نفس الوعيد في حلقة مفرغة من الزيارات والوعيد تجاوزت العشر لحد الآن منذ: 17/10/2020، وقد ألفته الشركات المسؤولة عن الأشغال وتعود عليه المراقب ومله المواطن.
إعلان خفض الأسعار....!!
تعتبر مشكلة ارتفاع الأسعار في بلادنا من أعوص المشكلات التي تواجه المواطن وصانع القرار في آن، وخاصة بعد إفلاس سونمكس أو تفليسها 31/01/2018 حيث بُترت آلية تدخل الدولة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب والمحافظة على القوة الشرائية للمواطن، ففي العام الماضي كان للحزمة الاقتصادية التي تضمنها خطاب رئيس الجمهورية 25/03/2020 وخاصة إلغاء كافة الرسوم الضريبية عن القمح والزيوت والحليب المجفّف والخضروات والفواكه أي ما يمثل حوالي 50 بالمائة من قيمة واردات البلاد من المواد الغذائية ولغاية 31 ديسمبر 2020 دوره الواضح في كبح جماح ارتفاع أسعارها، غير أن العام الجاري شهد قدرا من الاستهتار وكثيرا من الارتجال ففي ظل ارتفاع الأسعار عالميا بسبب استمرار الجائحة وغيره، عمدت الحكومة ممثلة بوزارة التجارة لإجراء جولات ماراتونية من اللقاءات والتفاوض مع كبار موردي المواد الغذائية بهدف المحافظة على سعرها بمستويات مقبولة والتخفيف من حمى المضاربة والاحتكار الذي يجيده تجارنا، حيث أعلنت وزيرة التجارة 23/01/2021 عن اتفاق مع الموردين يقضي بخفض أسعار: السكر والزيت والأرز الموريتاني والقمح، معتبرة أنها سلع إستراتيجية ستتولى الدولة تحديد أسعارها بعيدا عن المضاربة وتقلبات السوق، لتعاود الأسعار كرتها في الارتفاع وتدخل الوزارة في جولة جديدة من المفاوضات انتهت قبيل دخول شهر رمضان المبارك بإعلان تخفيض سعر الخبز لدى أكشاك ستوفرها اتحادية المخابز..!
ومع زيادة ارتفاع الأسعار وكثرة المطالبة بضبطها صرح الناطق باسم الحكومة 07/07/2021 أن لا ارتفاع يزيد عن الحد في أسعار المواد الاستهلاكية، معتبرا أن التذبذب في الأسعار حالة عادية..!!
ومع تفاقم الارتفاع وزيادة أثره السلبي وجه رئيس الجمهورية الوزراء في اجتماعهم المنعقد: 01/09/2021 إلى الإسراع بتحديد قائمة المواد الاستهلاكية الإستراتيجية تمهيدا لضبط أسعارها، لتعلن الحكومة في الاجتماع الموالي: 08/09/2021 تخفيضا لأسعار بعض السلع يطبق اليوم التالي، وبالرغم من محدودية التخفيض فإنه بمجرد إعلانه لجأ الموردون والموزعون لسياستهم المعهودة وهي الاحتكار والمضاربة فشهدت الأسعار موجة جديدة من الارتفاع لم يخفف منها كثرة التصريحات بالزاميتها ولا التهديد بالعقوبة، وفي: 16/09/2021 أجرى وزير الداخلية لقاء مع الولاة عبر الفيديو حثهم فيه على السهر على متابعة أوضاع المواطنين بشكل عام ومسألة الأسعار بشكل خاص، وهو ما يبدوا أن تجار -شارع الرزق- والدكاكين الخصوصية -في نواكشوط على الأقل- لحد الآن لم يلتزموا به، أما دكاكين التموين – دكاكين أمل سابقا- فكمية توزيعهم اليومية محدودة جدا وفي كثير من الأحيان لا يتوفر لديهم إلا الأرز، هذا بالرغم من ما يلاحظ منذ أسبوع من زيادة في كمية التموين وفي أعداد المستفيدين اليومية منها والتي نرجوا أن تَتَضاعف حتى تخفف من ضغط الأسعار على المعدمين ومَنهم حولهم.
وفي افتتاحه للمنتديات العمومية لقطاع البناء والأشغال أكد رئيس الجمهورية على استحداث آلية وطنية لاستيراد المواد والسلع الأساسية، وتوفيرها للمواطن بأسعار مناسبة وهو ما نأمل أن يتم بسرعة، وبتخطيط جيد، وأن يُبعد عنه المفسدون ووكلاء رجال الأعمال وسماسرتهم.
وبالرغم من أن الناطق باسم الحكومة أعتبر في 15/09/2021 أنه: سيتم تطبيق الأسعار الجديدة مهما كلف ذلك، إلا أنه عاد في الأسبوع الموالي 23/09/2021 ليؤكد أنه لا إكراه في تخفيض الأسعار..!!
ويشترك مع هؤلاء كثير من القائمين على القطاعات الخدمية في كثرة التصريحات المرعدة بلا مطر والمهددة بلا أثر، فكثير ما أعتبر المدير العام لشركة الكهرباء أن انقطاع الكهرباء لن يحدث؛ ليتضاعف ذلك الانقطاع ويتكرر ويمتد وقته، كما أَلِف زميله المدير العام لشركة المياه تلك التصريحات وأعادها لتتنوع إنقطاعات إمدادات المياه وتتعدد أمكنتها..، هذا رغم قناعتي بأنهم جميعا مُكِّنوا مما طلبوا، وَوُفرت لهم الوسائل الكافية للقيام بعملهم وخدمة بلدهم على الوجه الأكمل، وتُركوا يعقدون صفقات قطاعاتهم بما يُفترض أنه يخدم العمل والانجاز، لكن نتيجة ذلك بادية في تردي الخدمات وضعف الإنتاج مقارنة بالإمكانيات، وزيادة اليأس بعد الأمل..
أردت من هذه العجالة لفت الانتباه لدور التقويم بعد التقييم وأهمية التبديل بعد التولي، وخطورة التعود على الخطأ وملازمة تكراره، فالأحداث المؤسفة الأخيرة في أركيز خير دليل على أن المتابعة والتقويم المباشر وإبعاد المتهاون ضرورة لتفادي الفوضى وركوب موجة المطالب البسيطة، ومحاصرة مروجي ثقافة التأييس والتقنيط في صفوف ذوي الحاجة ممن ضعفت مطالبهم ورقت نفوسهم وسهل اقتيادهم وتوجيههم..
فالله الله في التعجيل بالتقويم والدفع بعجلة الإصلاح بمن عُلمت كفاءته وجُرِّب عمله، وتأخير من قل إنجازه، وكثرت زلاته، وتضاربت تصريحاته، فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه..
والإصلاح أردت وما توفيقي إلا بالله