يدور جدل في موريتانيا حول الاسم المناسب للملتقى الوطني المقرَّر تنظيمه بمشاركة الأطراف السياسية من موالاة ومعارضة لتبادُل الآراء والرؤى لإخراج البلاد من وضعها السياسي والاقتصادي الصعب.
تصر الحكومة والأحزاب الموالية لها على أن العنوان المناسب للحدث هو «التشاور» لا الحوار، لأن هذا الأخير يوحي بوجود أزمة في البلاد وليس الأمر كذلك كما ترى الحكومة؛ بينما تتمسك أطراف أخرى بـ«الحوار» باعتباره المصطلح الأنسب؛ لأن البلد في نَظَرها يعاني أزمة، والتشاور ليس الإطار السليم لمواجهتها.
ورغم أن هذا النوع من الجدل مَضْيَعة للوقت لأن العبرة بالمعاني لا بالمباني، فإني أود أن أوضح أن التشاور، خلافاً لما يرى الطرفان، ليس مقتصِراً على الأمور اليسيرة؛ وليس الحوار بالضرورة مرتبطاً بالأزمات.
فالشورى (التشاور) جعلها الله وسيلة شاملة لتدبير الحكم وترشيده (وَشَاوِرهمفِي ٱلأمر) (آل عمران: 159)؛ (وَأَمرُهُم شُورَىٰ بَينهم) (الشورى: 38)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يُشاوِر أصحابه في الأمور اليسيرة والعسيرة.
أما الحوار فورد في الآية: (قَد سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوجِهَا وَتَشتَكِيٓ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ) (المجادلة: 1)، ولا يوحي بأزمة بين المتحاوِرَينِ وهما الرسول «صلى الله عليه وسلم» والمرأة المذكورة، وإنما يتعلق بقضية أسرية بين المرأة وزوجها.
صحيح أن الكلمات تتخذ معاني جديدة بمرور الزمن، لذلك أصبح الحوار dialogue بالمفهوم السياسي الحديث في الغالب مرتبطاً بالنزاعات والأزمات، ولعل هذا هو سبب الجدل الدائر حول هذين المصطلحين.
ولو استلهمنا دلالة المصطلحات من تراثنا السياسي، لما اختلفنا في موضوع التشاور ولما اعتبرناه قاصراً عن تحقيق ما نسعى إليه من وئام اجتماعي وسياسي، بغض النظر عن مستوى الأزمة السياسية والاقتصادية التي نواجهها؛ لكننا استلهمنا مَضامينَ نَبتت في ثقافات أخرى، فنظرنا إلى «التشاور» بأنه consultation بالإنجليزية والفرنسية، وهذه الترجمة غير دقيقة للمصطلح العربي؛ لذلك استخدم بعضُ المترجمين mutual consultation لتقريب معنى «المشاورة» أو «الشورى» الواردة في القرآن؛ لأن الكلمة العربية تعني التداوُل في شؤون الحكم، وهو أمر بالغ الأهمية؛ أمَّا صيغتا «فَاعَل» و«تَفَاعَل» فغير موجودتين في اللغات الأخرى، ولذا فإن مفهوم التشاور في العربية أعمق منه في الإنجليزية والفرنسية، ومع ذلك يمكن استخدام «التشاور والحوار» وإنهاء الجدل العقيم الذي قد يخلف آثاراً اقتصادية واجتماعية وخيمة.