الإنسحاب الأمريكي من إفغانستان أو عودة طالبان للإستيلاء مجددا على مقاليد الحكم في كابول، يعتبر منعطفا فاصلا في تاريخ هذا البلد المثخن بالجراح.
فمنذ الإطاحة بحكم طالبان قبل 20 عاما، ودخول البلاد في حرب أهلية طاحنة، خسر فيها الأفغان آلاف الضحايا، ها هي حكومة طالبان التي طردتها الولايات المتحدة من الحكم بحجة إيوائها لمخططي أحداث الـ11من سبتمبر، تدخل العاصمة كابول بعد فرار أشرف غني، آخر رئيس للبلاد في ظروف مازال يلفها الكثير من الغموض.
و رغم أن الأخبار تبدو شحيحة جدا حول ما جرى و يجري في أفغانستان، باستثناء تصريحات مبهمة من مسؤول رفيع حول حدوث خيانة، و السيطرة شبه التامة لمسلحي طالبان على البلاد؛ يظل الموقف العام إزاء التطورات الحاصلة رهينا أكثر للتدخلات الخارجية.
و يبدو أن الإتفاق الذي وقعته طالبان مع الولايات المتحدة في الدوحة بقطر، يخوّل طالبان، استلام السلطة مجددا في أفغانستان، على الأقل بوصفها السلطة الشرعية التي تمت الإطاحة بها سنة 2001 و تنصيب حكومة بديلة لها بعد الغزو الأمريكي للبلاد.
لقد كلفت الحرب في أفغانستان، الولايات المتحدة، أكثر من 83مليار دولار، و فقدان أرواح 23جنديا، لكن الإدارة الامريكية التي قررت الإنسحاب من أفغانستان، بنت حساباتها على استراتيجيتها الجديدة للمنطقة.
و أظن و هذا اجتهاد شخصي، أن الولايات المتحدة التي حققت أهم أهداف حربها هناك بقتلها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، و أجبرت طالبان على التوقيع على اتفاق يقضي بعدم الإعتداء على المصالح الأمريكية في المستقبل، تكرر نفس التجربة الصومالية التي سمحت لاتحاد المحاكم الإسلامية بالحكم بالشروط الأمريكية، لنتفاجأ لاحقا بعد نقض حكومتها آنذاك برئاسة شريف شيخ أحمد ، للإتفاق، أن الصومال تدخل في دوامة جديدة من الحروب، لاتزال تداعياتها مستمرة إلى الآن.
يخطأ البعض عندما يقيّم طالبان كحركة إسلامية، مضفيا عليها هذه الصفة مع أنها صفة أغلب الأفغان، بينما قوة طالبان تكمن في أنها حركة قومية من "البشتون" الذين يشكلون أكثر من 60% من سكان أفغانستان؛ و هو عامل منحها زخما كبيرا و شكل لها غطاء حافظ على وجودها خلال العقدين الماضيين.
غير أن الوضع الجديد في البلاد و ما ترتب عنه، و فشل المفاوضات بين الحركة و حكومة أشرف غني السابقة، يجعلني اتساءل :
هل تحسبت طالبان التي أصبحت اليوم، تحت منظار العديد من الدول المتصارعة بسبب مصالحها المتباينة في أفغانستان، لبذور التفجير المحتمل للبلاد من الداخل ؟
و ما هي الخيارات المتاحة لطابان، لترتيب البيت الداخلي ؟ و كيف ستتعامل مع التدخل المحتمل للدول المحيطة بها في الوضع الأفغاني ؟
بل و قبل هذا و ذاك ، ما هي المكاسب التي تحققت من اتفاق الإنسحاب الأمريكي، خصوصا في ما يتعلق بتعويضات الحرب و مسالة الإعمار، أم أن هذا الملف تم ترحيله إلى ما بعد تسلم طالبان مقاليد الحكم للتاكد من التزام الحركة بتطبيق بنود الإتفاق؟
و حتما سوف تكتشف طالبان إن عاجلا او آجلا، أن ما تم يوم أمس، ليس انتصارا كما يحلو للبعض وصفه بذلك، بل إن ما جرى هو أقرب إلى انسحاب ملغوم، يرى بعض المراقبين أنه تمهيد لحرب أهلية أو فوضى إذا نشبت سوف تؤثر على كامل المنطقة.
و طالبان ستكون خلال الشهور المقبلة مجبرة على الخضوع لهذه الترتيبات و المعادلة الجديدة ، نتيجة عزلتها الدولية السابقة التي خسرت بموجبها الحكم في أفغانستان، أو أن يقودها الفشل هذه المرة إلى إدخال البلاد مجددا في أتون فوضى ستأخذ من رصيدها الشعبي، و هي الحركة التي تعودت على العيش في الجبال و حروب العصابات، و لم تتعود على إدارة الأزمات و إكراهات الصراعات الدولية العابرة للحدود.