لو أن المرحوم الشيخ زايد بن سلطان كان حيا و زار مستشفاه في العاصمة نواكشوط لصب اللعنات على ماضي و حاضر المنشأة.
إحدى الجيران أصيبت بنوبة سكري حادة أفقدتها الوعي ، مما اضطرنا لنقلها إلى المستشفى ، و في الطريق أنرت إضاءات الخطر الحمراء حتى تفهم نقاط التفتيش أن الحالة مستعجلة.
و عند بوابة الحالات المستعجلة ، عندما أردنا الدخول ، أخبرونا أن المكان لمرضى كوفيد ، مما أصاب الجميع بالهلع، بما فيهم "اليابانية" التي لاذت بالفرار ، لنتمكن بعد لأي من تحديد المكان.
الغريب أن هذا المرض الذي أفزع العالم ، قد احتجز مرضاه في النقطة الأكثر ورودا في المستشفى و هي "الحالات المستعجلة" ، و لم يغير الاسم و لم توضع لافتة و لا نقطة إستعلام لتوجيه الناس ، و لا حتى حراسة عند الحجز.
أردنا أن نحصل على سرير متحرك لنقل المريضة ، فقال لنا المساعدون إن هناك سرير واحد تمت عريته لقسم آخر ، يبدو أنه لا يتمتع بسرير هو الآخر ، فنقلنا المريضة في غطاء..
بعد الكشف الأولي قرر الطبيب حجز المريضة لبعض الوقت و إجراء فحوصات ، فانتقلنا إلى الجناح و بدأت رحلة البحث عن غرفة مكيفة .
و قد اعترفت إحدى الطبيبات أن كسل الإدارة عن تركيب مكيفات جديدة موجودة هو المانع من تعميمها على الغرف ، و أن مشكل التجهيزات هي الصيانة ، و ذكرتني قضية الصيانة هذه بقصة صهريج عند إحدى البلديات ظل يعمل دون تبديل زيوته حتى تعطل نهائيا و خرب محركه .
حصلنا على غرفة مكيفة بعد أن تعرف علي طبيب عن بعد ، لأنني خال أحد زملائه كما قال لإحدى السيدات ، و نظرا لخبرة الأطباء بالغرف، فقد أوصوا بعدم الاقتراب من زوايا الغرفة، لأن البعوض سيكون للمريضة بالمرصاد.
و إني لأعجب كيف لم يقوموا بتنظيف مكان معد للمرضى من الحشرات.
بدأنا رحلة الفحوص و انتظار الحقنة "المعلقة" ، و ها نحن ننتظر و نعد القطرات و هي لا تكاد تتحرك و كأنها لا تريد أن تنفد إلا مع نفاد الليل أو جله .
نسيت أن أخبركم أن الكهرباء مصابة بارتعاش شديد ، فهي تتقطع بين الفينة و الأخرى لتعود يعد ثواني ، مثل نبض المريض ، و أن الأجواء حارة و تنتشر فيها أصوات المرضى التي تتفاوت بين الأنين و الصراع ، و نحن متسلحون بالصبر و الدعاء ..
عملية "تعليق" الحقنة كانت معركة كبيرة ، لأن الأطباء عجزوا في البداية عن اكتشاف وريد في جسم السيدة ، و لعلها عدم الخبرة ، فقد عبثوا بيديها و رجليها ، فقلت لهم إن المخدر عادة أدرى بهذا المجال..
كانت هناك في الساحة مظاهر لا تنبئ عن التربية، منها التدخين و الضحكات العالية ببن الجنسين ببن بعض عمال النظافة و البوابين.
و هناك ظاهرة أخرى آلمتني في بعض هذا الجيل الذي ولد في المدينة و تربى فيها ، و هي هذه الوجوه المتجهمة أمام المرضى ، و هذه الكلمات التي لا تكاد تخرج لفرط التصنع ، و هذا الاحتقار الذي يعاملون به المرضى، فقد رأيت مرافقة لمريضة تهرول بجانب طبيبة ، تريد أن تحصل منها على توجيه حول المريض، و الطبيبة تتابع السير دون أن تلتفت إليها ، فقلت لها : با دكتورة ، لماذا لا تتوقفي لدقيقه و تحترمي المسكينة لتجيبيها، فقالت: ألا ترى أنني مشغولة ، فقلت : هذا من شغلك ، ثم إن سمة الأطباء في العالم هي الابتسامة ، و أنتم تفقدون انبساط الأسارير بمجرد مباشرة عملكم . و الحقيقة أن نمطية المسؤول المتجهم لا زالت تسيطر على العقل الباطن للموريتانين .
قال لي أحد المرافقين إن تشخيص المصابين بكورونا يقام به في هذا الجناح ، فحمدت الله إني سبق و أن أصبت، و أنني أخذت اللقاح بعد ذلك.، و لكنني احتفظت بالقصة عن الرفقة حتى لا أصيبهم بالهلع .
بت ليلتي أتابع الوضع، و قد أعجبني قرار من الطبيب الرئيس حين رفض تسليم جثة رجل أتى به جار له ، لأنه لاحظ على جسمه التراب ، مما يبعث الريبة في أنه مقتول.
كان داخل أقسام المستشفى كالفرن، و قد وجد مرافقو المرضى متسعا في الأسواق المقابلة.
علي أن أسجل حسن أخلاق البواب الصغير الذي جعلت غرفته مصلى و مكان استراحة، و كان أريحيا بشكل لافت ، عكس القناة التي أمرتها بالابتعاد عن "غيثارة" الشباب في الممرات ، فنهرتني ، فلذت بالصمت ..
أعتقد أن المستشفى بحاجة إلى: صيانة - تجهبز الغرف- تكيف الممرات - تكوين العمال على حسن المعاملة - مكتب استعلامات عند المدخل لتوجيه الناس، و أشياء أخرى حين تقوم مسؤولة بالتقويم...