تتفاقم معاناة فقراء موريتانيا الذين يعيش بعضهم في أعرشة وأكواخ تكاد لا تقي من شيء مع اشتداد برد الشتاء. وفي قلب العاصمة نواكشوط التي وضع القائد الفرنسي شارل ديغول حجر أساسها، يعاني عدد من السكان من البرد شتاءً والحر صيفاً في دوامة لا تنتهي مع تقلب المواسم. وداخل إحدى الأعرشة المصنوعة من عيدان الحطب وبقايا الثياب الرثة،
يقطن الخمسيني بلال ولد يوسف وأفراد أسرته بحي "الكبه" بمقاطعة الميناء وسط نواكشوط، وكله أمل في إيجاد وسيلة ناجعة لتخفيف معاناة البرد عن عائلته مع بداية شتاء العام الجديد. وترتسم الحيرة واليأس على جبين ولد يوسف، الذي يعتبر واقعه مجرد صورة مصغرة لهول المأساة التي يعيشها سكان الأحياء الشعبية خلال فصول السنة الأربعة، مطالباً الحكومة بتوفير خيام لمئات الأسر الفقيرة التي تسكن داخل أعرشة وأخبية لا تحجب الشمس في الصيف،
ولا تقي من البرد في الشتاء. يوضح ولد يوسف لـ “هافينغتون بوست عربي” أنه يعاني من البطالة، شأنه شأن الكثيرين، “لكن ما يؤرقني أكثر هو حاجة أطفالي لملابس شتوية تقيهم البرد ناهيك عن حاجتهم للغذاء والدواء، ما يحتم علي القيام بأي عمل، مهما كان نوعه، لدفع شبح الجوع في ليالي الشتاء الباردة عن أفراد عائلتي”. ويعتبر الستيني بلال ولد يوسف أن تقصير الجهات الرسمية في إيصال مساعدات إنسانية لسكان الأحياء الشعبية طال أمده، “فمع حلول كل شتاء تتحطم آمال الفقراء في الحصول على مساعدات حكومية تخفف وطأة وهول المعاناة التي يعيشونها باستمرار، وهو ما خلق لديهم يأسا وقنوطا من وصول المساعدات الحكومية قريباً”.
واقع مزر للفقراء أما في الجانب الشرقي من حي "الكبه"، فتقطن أسرة محمد سالم ولد امبارك داخل أحد أكواخ الحي الفقير. تلتحف الأسرة قطعة قماش عبارة عن بقايا زي نسائي (ملحفة) مهترئ، وفوق رؤوسهم عيدان حطب وقطع بلاستيكية متهالكة تحجب ضوء الشمس صيفاً دون أن تقي من البرد. وقال ولد امبارك، “تتكون عائلتي من 6 أفراد، نسكن جميعاً داخل كوخ مشيد من بعض عيدان الحطب المرصوصة بالمسامير، وتلك العيدان الخشبية محفوفة من الخارج ببعض القماش الرث، الذي يحجب ضوء الشمس في أيام الحر، وهو المنقذ الوحيد لأفراد الأسرة من فتك البرد في فصل الشتاء”. أما لاله بنت بخلير ـ إحدى ساكنات الحي ـ، فتعرب بدورها عن أملها ببدء تحرك رسمي من شأنه أن يغير الواقع الصعب الذي يعيشه سكان الأحياء الشعبية بنواكشوط، وخصوصاً في فصل الشتاء الذي ألقى بظلاله على الحي الفقير. ويعتبر سكان الأحياء الشعبية ـ أو أحياء الصفيح كما هو متعارف عليه محلياً ـ من الفقراء والمعدمين،
إذ تستقطب هذه الأحياء في العادة أسر العاطلين عن العمل، إلى جانب القادمين من المناطق الداخلية بحثاً عن فرص عمل جديدة هربا من الفقر في القرى والأرياف المنتشرة بأدغال موريتانيا. الوضع الاقتصادي لموريتانيا وتعد موريتانيا من الدول الأفريقية الفقيرة، حيث يعتمد اقتصادها بالأساس على الزراعة، إلى جانب استخراج بعض المعادن وعلى رأسها الحديد. وتسببت الأزمات السياسية التي عصفت بالبلاد مؤخراً في تراجع الحالة الاقتصادية، ما اضطر الحكومة لاستدانة 45 مليون دولار من البنك الدولي، إلا أن الحال مرشحة للتحسن بعد اكتشاف بعض آبار البترول في البلاد.
almesryoon.com