إذا انفصلت التشريعات عن مصادرها المعلنة دستوريا واعتمدت مصادر أخرى أملتها مواقف أحزاب وجمعيات تعتمد مصادر أخرى، فإن التشريعات في تلك الحال تبدأ في الانحطاط والتخلف والابتعاد شيئا فشيئا عن ملاءمة الواقع المطبقة فيه،ما يفتح الباب لعقوبات غير مدروسة وغير متناسبة مع تأثير الفعل المعاق على النظام العام.
وفي هذا الإطار أشير إلى أنه منذ فترة تظهر تشريعات تعالج أمورا ليست من مجال التشريع وإنما من مجال الأخلاق، ما يجعلها اعتداءا سافرا على مجال الأخلاق وتقييدا للحرية بشكل غير مبرر بل انتهاكا لحقوق الإنسان.
هل من العدل مثلا : تصنيف القصائد الغزلية ورسائل العاشقين الإلكترونية وتلميحاتهم الكلامية كجريمة تحرش جنسي يعاقب فاعلها بالحبس أربع سنين ويحكم عليه بتلك العقوبة بمجرد شكوى ممن كانت تستطيع عقابه أخلاقيا برده أو بتوببخه ؟
وهل من العدل العقاب على النظر بعقوبة مماثلة للعقوبة السابقة ؟
وكيف يصنف مجرما وهو الذي لم يلمسها أو يكشف عن بدنها وإنما هي التي كشفت عن نفسها بنفسها؟
كل التصرفات التي من شأنها أن تؤذي أي مخلوق أو تفقده صوابه تعتبر مرفوضة أخلاقيا ومحرمة دينيا – بما فيها التبرج- لكن عقوبتها ينبغي أن تبقى عقوبة أخلاقية وليست عقوبة قانونية.
وعليه فإنه إذا تم اعتماد أي مشروع قانون يتضمن عقوبات من هذا القبيل وفي أي دولة عربية فإن السجون ستمتلئ بالأبرياء وستحدث كارثة ونكبة حقوقية وأدبية تؤدي إلى ظلام دامس يلائم عمل وسطاء الظلام والرذيلة ويقمع دعاة النور والأدب والحرية والفضيلة.
لذا فإن مشروع القانون المصري في هذا المجال والذي تحدث عنه الإعلام مؤخرا ينبغي تعديله تعديلا يؤصله في مصادر القانون المصري ويلائمه مع ثقافة الناس في بلد عريق لا يحتاج إلى استيراد شطحات جنونية من الغرب ليعتمدها كتشريع أخلاقي.
ظاهرة الاستيراد الأخلاقي من الغرب أثرت بشكل سلبي على مجتمعاتنا بما في ذلك تحريفها لمفهوم تحرير المرأة من تحرير لعقلها بفك القيود التي قد تعيقها عن العمل إلى تحرير لبدنها كما تحرر الحيوانات، التحرير الأخير هو الذي تسبب في ظاهرة التحرش المؤذي، لأنه يؤدي إلى إثارة من ليست لهم قدرة كبيرة على كبح جماح مشاعرهم .
والمشاعر لا دخل للإرادة في تكوينها، ومن دون توفر الإرادة لا توجد مسؤولية جنائية.