قد لا يخطر ببالك للحظة واحدة أنك في إحدى البلدات الأميركية عندما تشاهد ذلك الجدار الذي تغطيه رسمة لإحدى الأمهات وابنتها ترتديان حجاباً، ووالدٍ معمم، ولكنك بالفعل ببلدة “هامتراميك” الأميركية التي تضم 12 مسجداً.
ليس هذا فقط، بل إن “هامتراميك” هي أول بلدة أميركية تنتخب مجلساً بلدياً غالبية أعضائه من المسلمين، وذلك بعد هجمات باريس، وسان برناردينو (كاليفورنيا)، حيث اعتبر ذلك وجهة نظر مغايرة للتصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها دونالد ترامب الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس، والداعي إلى إغلاق حدود الولايات المتحدة بوجه المسلمين.
تعايشٌ مثالي
وقالت رئيسة البلدية “كارين مايفسكي” إن “هامتراميك تؤكد ما ينبغي أن تكون عليه أميركا: أرض الفرص” معربة عن اعتزازها بإيواء لاجئين سوريين قبل فترة وجيزة.
وضمن مساحة 6 كيلومترات مربعة، تنتشر المنازل الصغيرة وغالباً من طابق واحد بشكل متلاصق.
وفي الشارعين الرئيسيين، تتقاطع نساء بالحجاب والنقاب مع فتيات يرتدين بناطيل الجينز الضيقة، ورجال بلحىً خفيفة وشباب بسراويل فضفاضة.
وتنقل محلات البقالة والمطاعم الخاصة بكل جالية الزائر إلى الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وبولندا كما ينتشر باعة اللحم المشوي جنباً إلى جنب مع المطاعم الهندية.
رفع الآذان
وفي وسط البلدة، تم تشييد مسجد الإصلاح، الأكبر بين 12 مسجداً، قبالة إحدى الكنائس.
ومنذ العام 2004، يرفع المؤذن صوته 5 مرات يومياً داعياً إلى الصلاة من مئذنة أقيمت كيفما اتفق.
وقال مسعود خان المسؤول عن المسجد “ليس لدينا مشكلة هنا مع البولنديين، ولا مع السود. نعيش معاً في سلام” مشيراً إلى العطلة خلال أعياد المسلمين، مع إغلاق المدارس والمباني العامة في البلدة.
وعلى مسافة 5 دقائق سيراً، يرتفع تمثال للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني للتذكير بالتقاليد الكاثوليكية في هذه البلدة التي بناها مهاجرون ألمان العام 1910.
وسرعان ما تحولت بعدها إلى معقل للمهاجرين البولنديين الفارين من القوانين التي تضمنت تمييزاً ضدهم في ديترويت.
وكان أحد أبناء عم يوحنا بولس الثاني عضواً في المجلس البلدي في المدينة إبان الأربعينيات والخمسينيات.
وقد تقلصت أعداد المهاجرين البولنديين من 90 % من السكان عام 1970 إلى 12% من أصل أكثر من 22 ألف نسمة اليوم، وفقاً للمؤرخ تاديوش راديلوفسكي.
وأضاف أن معظمهم استقروا في أحياء الضواحي، وهناك أيضاً هجرة مستمرة من السود من هذه البلدة.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت نسبة المهاجرين من بنغلادش (20٪) واليمن (23٪) والبوسنة (7٪)، يجذبهم انخفاض معدل الجريمة، وسوق العقارات الجيدة وطفرة في صناعة السيارات، وفقاً للمؤرخ.
لكن عدداً من المصانع التي تزود “الثلاثة الكبار” (جنرال موتورز وفورد وكرايسلر) بمعدات أغلقت أبوابها، وباتت البلدة تضم الرقم القياسي لأعلى معدلات الفقر في ولاية ميشيغن.
حانة مفتوحة
أمام كنيسة القديس فلوريان، حيث لا تزال خدمة القداس بالبولندية، يقول الأب ميريك فرانكوفسكي إن التحول الديموغرافي والسياسي السريع للبلدة يثير القلق بين الأجيال الأكبر سناً.
وأضاف الكاهن “إنهم يخشون أن تفقد البلدة تماماً طابعها الأوروبي الشرقي” مؤكداً أن شباناً مسلمين يعرقلون المواكب الدينية.
بدوره، يثير المؤرخ المخاوف من أن يؤدي التطرف إلى اختفاء الاحتفالات البولندية، بما في ذلك يوم ثلاثاء الشكر الذي يسبق الصوم الكبير، لأن مجلس البلدة بأيدي غالبية مسلمة.
لكن رئيسة البلدية قالت “نحن معروفون بالحياة الليلية، ومطاعمنا وحاناتنا، فهذا جزء مهم من هويتنا وحيويتنا الاقتصادية، ومن المهم عدم وضع حدود لذلك”.
من جهته عبر أنعام مياح، أحد أعضاء المجلس الأربعة المسلمين وهو من مواليد بنغلادش، عن اعتزازه بـ “التنوع الثقافي في مجتمعنا”.
ويفضل العديد من السكان الحكم على الغالبية الجديدة بحسب قراراتها مثل جوان بتنر، تدير متجراً للهدايا التذكارية، التي قالت “أنتظر ما الذي سيفعلونه”.
وما تزال لافتات بيع الكحول حاضرة بقوة في كل مكان في الوقت الحالي.
وقال المؤرخ إن هامتراميك التي لديها أكبر عدد من تراخيص بيع الخمور في ميشيغن تتحول ليلة الخميس إلى حانة مفتوحة.
المصدر : Arabi – The Huffington Post