من أهم ما يميز نمط تفكير الرجعيين هو رفضهم عبر العصور للتجديد والتطور وخوفهم منه وتمسكهم بالقديم والسكون عليه.
يمكن تصنيف حديث رئيس الجمهورية بالأمس، رغم اعترافه بأهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من ذلك النمط الرجعي في التعاطي مع عولمة الإعلام والتطور التكنولوجي وثورة المعرفة المميزة للقرن الواحد والعشرين.
فبحسب قوله، وكقرار منه، تستعد الحكومة لسن قوانين جديدة لتقف في وجه الشائعات التي من وجهة نظره تغذي المحسوس الجماعي بانعدام الأمن.
إلا ان...
مالم يعترف به الرئيس أمام الشعب ولم يصارحه به هو أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه كمسؤول أول عن الأمن هو أنه فاقد للسيادة على جميع وسائل الإعلام التي يستخدمها المواطنون باستثناء وسائل الاعلام الرسمية والحرة المحلية. وان هذه الوسائط العالمية تحكمها قوانين وتسير وفقا لسياسات لا دخل لنا فيها.
ولم يعترف الرئيس أمام الشعب أنه لم يعد بمقدوره ولا بمقدور أجهزة مخابراته أن تشكل المحسوس كما اعتادت على ذلك أنظمة الاستبداد الأحادية الرجعية في الماضي وعلى فرض الشائعات على أنها حقائق ثابتة (ملف الرئيس السابق كمثال)، أو العكس، وان تلك الوسائط تلعب دورا كبيرا في تركيب المحسوس بمحتواها وبطبيعة انتشارها وبفعل خوارزمياتها 'المشبوهة'.
والحقيقة أن هذه القوانين التي تعتزم الحكومة سنها هي حلول من طرف واحد ولا يمكن أن تكون إلا على حساب الحريات الفردية والجماعية.
ثم إن...
مالم يعترف به الرئيس أمام الشعب هو أن النظام الجمهوري في مأزق حقيقي بعد ان وقع في فخ المادة 93 التي تحمي صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في الدستور، وان رئيس الجمهورية أصبح خاضعا لطبقة سياسية فاسدة نجحت في الحصول على السلطة دون أن تكون مسؤولة عن افعالها وتصرفاتها وقد ظهر ذلك في خطابه فبدل أن يحمي الحريات وان يدافع عن سيادة القانون ويحمي مقتضيات الدستور كان خطابه مطابقا لرؤية ومنهج أعوانه الذين يسعون لضمان استمرار وجودهم مهما كلف ذلك بذريعة حفظ الأمن.
مالم يعترف به الرئيس أمام الشعب هو الدور الذي يلعبه تردي الخدمات العمومية والانقطاعات المتكررة للماء والكهرباء وربما قريبا غاز البيتان في المحسوس الذي يخيم على كبريات مدن الوطن.
ولم يعرج على الإرتفاع المخيف للأسعار في خطابه عن الملموس ولا عن الوعود والدروس، وهو يخطب من عاصمة الزراعة، التي قدمتها حكوماته المتعاقبة في زراعة وإنتاج حاجيات المواطنين وماتبع ذلك من خسائر وتراجع للانتاج وعن علاقة ذلك بالمحسوس.
كان التهديد بالنصح سيلاقي طموحات الشعب ويدعم الأمن الداخلي والخارجي لو تم توجيهه لمحاربة الفساد والمفسدين ومحاربة القبلية والقبليين والجهوية والعازفين على أوتارها وإلى من يحارب الحريات والقانون.
فقط اصحاب التجربة الذين أنتجت تجاربهم المادة 93 هم وحدهم من يفهم ويقدر أهميتها في النظام الديمقراطي الذي ساء مصيره بعد ان تحكم الحربائيون وفلول المفسدين في مقاليد سياسة وحكم البلد.