تعدُّ التعيينات من أهم المواضيع التي يتابعها الموريتانيون بانتظام واهتمام كبير، وهي بالنسبة لهم من أهم المقاييس أو المعايير التي يحددون على أساسها موقفهم من أي نظام حاكم.
أهمية التعيينات عند الموريتانيين تظهر من خلال المتابعة الواسعة للإجراءات الخصوصية في بيانات مجالس الوزراء, وكثيرا ما يتم تجاهل مراسيم القوانين التي تصدر في بيانات مجالس الوزراء، حتى من طرف النخب، لتقتصر المتابعة على الإجراءات الخصوصية فقط، الشيء الذي يُظهر مدى أهمية تلك الإجراءات الخصوصية عند الموريتانيين.
إن هذه الأهمية الكبيرة التي تحظى بها التعيينات تفرض على من تهمه حقا مصلحة النظام القائم ـ وأظنني من الذين تهمهم حقا مصلحة النظام القائم ـ أن يًطالب وبصوت مسموع بإعادة النظر في ملف التعيينات.
نعم، هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في ملف التعيينات، فهذه التعيينات لم تحمل في أغلبها تلك الرسائل التي كان يجب أن تحملها في هذا العهد. ففي اعتقادي الشخصي أن هناك رسائل هامة كان يجب أن تظهر واضحة وجلية مع كل حزمة تعيينات جديدة، وهذه الرسائل هي:
رسائل إصلاحية : أي أن يظهر مع كل حزمة جديدة من التعيينات أن هناك إرادة جدية في الإصلاح الإداري، وأن تلك الإرادة هي التي أتت بموظفين يتوقع منهم أن يساهموا في ذلك الإصلاح، وأبعدت آخرين بعد أن جُربوا وجُربوا وجُربوا، ومنحوا الفرصة تلو الأخرى، فثبت أنه لا قدرة لهم على الإصلاح، أو أنه لا رغبة لهم فيه إن كانت هناك قدرة عليه.
ما حدث في أغلب التعيينات هو أن من ثَبتت عدم قدرته على الإصلاح تمت ترقيته أو تم الاحتفاظ به على الأقل، أما من تُلتمس فيه القدرة على الإصلاح فلم يتم تعيينه أو ترقيته، إلا في حالات محدودة جدا.
رسائل ضد الفساد : من الضروري جدا أن تعكس التعيينات ـ أو على الأقل نسبة هامة منها ـ الأجواء التي تعيشها البلاد، والتي تم بموجبها فتح واحد من أكبر ملفات الفساد في تاريخ موريتانيا.
ليس من المستساغ أن نسمع عن تعيين أو ترقية موظف مفسد معلوم الفساد في هذا العهد الذي تم فيه فتح أكبر ملف فساد في تاريخ البلاد، وليس من المستساغ في الوقت نفسه أن يستمر إقصاء أو تهميش موظفين يُشهد لهم بالاستقامة وحسن السمعة في الإدارة.
رسائل التجديد: لا خلاف على أن الجزء الأكبر من أغلبية الرئيس الحالي كان من أغلبية الرئيس السابق، ولذا فقد لا يكون من الإنصاف أن نطلب من الرئيس الحالي أن تكون تعييناته في الوظائف السياسية من خارج ذلك الجزء الأكبر من أغلبيته. قد لا يكون من الإنصاف أن نطلب منه ذلك، ولكننا في المقابل يمكن أن نطلب منه بأن ينتقي من تلك الأغلبية وجوها جديدة لم تفقد كل رصيدها السياسي خلال العشرية الماضية.
في "الأغلبية التقليدية" توجد وجوه جديدة، وأيادي نظيفة، وأطر أكفاء تم تهميشهم خلال العشرية الماضية، مثل هؤلاء كانوا أولى بالتعيين من موظفين آخرين لم يقدموا خلال مسارهم الوظيفي الطويل ما يبرر إعادة تدويرهم من جديد.
يقول البعض بأن الرئيس يحتفظ بمثل هؤلاء لأنه لا يريد أن يغضب أحدا من داعميه، ولذا فهو يقوم بإعادة تعيين كل من تتم إقالته. ما لا يدركه من يقول بذلك القول أن الرئيس إذا كان يعيد تعيين أولئك لكي لا يغضب أحدا من أغلبيته، فإنه بذلك يغضب أعدادا أكبر من خيرة أغلبيته. إن إعادة تدوير موظف واحد ثبت فشله، ستؤدي حتما إلى إغضاب العشرات من الموظفين الأكفاء الذين لم تتلطخ سمعتهم، والذين كانوا يحلمون ـ ولهم الحق في ذلك ـ بالحصول على تلك الوظيفة التي مُنحت للموظف الفاشل الذي تم تدويره.
لقد آن الأوان لأن يلتفت الرئيس إلى الأطر الذين لم تتلطخ سمعتهم الإدارية والسياسية خلال العقود الماضية، وعليه أن ينتقي منهم واجهته الإدارية والسياسية، فتعيين مثل أولئك سيزيد من رصيده، وسيُحَسِّن من صورة نظامه، وسيخلق أملا لدى المواطن بإمكانية الوفاء ببرنامج "تعهداتي". أما إعادة تدوير موظفين لم يقدموا شيئا يحسب لهم بعد عقود أو سنوات من التعيين، فتدوير مثل أولئك من ذوي السمعة الإدارية والسياسية السيئة فسيكون على حساب رصيد الرئيس، وسيسيء إلى سمعة نظامه، وسيقلل من ثقة المواطن بإمكانية الوفاء ببرنامج "تعهداتي".
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين ولد الفاضل
[email protected]