كان أول شيء تذكرته وأنا أتابع حفل انطلاق توزيع بطاقات التأمين الصحي لصالح مائة ألف أسرة متعففة هو "عجوز أمبود"، و"عجوز أمبود" لمن لا يعرفها كانت موضوع أول رسالة من رسائلي المفتوحة التي كتبتها لعدة رؤساء سابقين.
هذه العجوز كنتُ قد التقيت بها في آخر عهد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع في قرية فقيرة من قرى إحدى مقاطعتنا الأكثر فقرا (أمبود).إنها سيدة فقيرة، كانت تقطن في العام 2000 في قرية فقيرة من قرى مثلث الفقر، وكان لديها ابن هو من يعيلها، وكان هذا الابن يشتغل في العاصمة نواكشوط في خدمة المنازل.
فجأة أصيب الابن بشلل وعاد إلى القرية بعد أن عجزت الوالدة عن علاجه ليبقى هناك في القرية طريح الفراش.
زرتُ العجوز في كوخها المتهالك، واستمعت لشيء من تفاصيل معاناتها، وتألمت كثيرا لحالها ولحال ابنها الذي كان يعاني من شلل كامل. ومما زاد من ألمي أن كل سكان القرية فقراء، ولم يكن من بينهم من هو قادر على مساعدة تلك العجوز الفقيرة وابنها الذي كان يعاني من شلل كامل.
لم يكن لدي ما أقدمه لتلك "العجوز المتعففة"، ولا لغيرها من فقراء البلد "المتعففين" سوى أن أتعهد لها ولغيرها من الفقراء، بأن أبذل كل جهد متاح لإيصال معاناتها ومعاناتهم لأعلى سلطة في البلاد، ومن هنا جاءت فكرة كتابة الرسائل المفتوحة لرؤساء البلد. وبالفعل فقد كتبتُ العديد من الرسائل المفتوحة لعدد من رؤساء البلد، وكانت معاناة "عجوز أمبود" حاضرة في أغلب تلك الرسائل.
اليوم لا أدري إن كانت "عجوز أمبود" لا تزال على قيد الحياة هي وابنها، ولكن الشيء المؤكد بالنسبة لي هو أنه يوجد في بلادنا الكثير من الفقراء الذين يتشابه حالهم مع حال تلك العجوز وإن اختلفت بعض التفاصيل. والمؤكد عندي أيضا هو أن أهم شيء يمكن أن يقدم لهؤلاء الفقراء هو التكفل بعلاجهم إن هم مرضوا، ومن هنا تبرز أهمية توفير مائة ألف بطاقة تأمين الصحي لمائة ألف أسرة متعففة، وهو ما يعني توفير التأمين الصحي لسدس سكان موريتانيا.
إن توفير مائة ألف بطاقة تأمين صحي يعد إنجازا كبيرا لصالح فقراء البلد، ولعل الشيء الأهم أن هذه البطاقات تستهدف بالفعل فقراء البلد، وبإمكان كل واحد منا أن يعود إلى لائحة المستفيدين في قريته من التأمين الصحي ليعرف إن كان فقراء قريته قد استفادوا أم لا.
باسم "عجوز أمبود"، وباسم كل الفقراء الذين كتبتُ عنهم في رسائلي المفتوحة، أقول : شكرا فخامة الرئيس.
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين ولد الفاضل