خرج بيان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز باهتاً، يعكس نفسية سوداء سوءاء، يمشي صاحبها الضّراءَ، للإضرار ببلادٍ لم يلحق بها ابن من أبنائها السوء الذي ألحق بها ابن شوارع و حواري دارومستي.
لا يخامرني شكٌ أن الرجل مصاب بانفصام في شخصيته، فمع أنه يدرك في قرارة نفسه مستوى فساده و سرقته للمال العام، غير أنه يتجلى أحياناً في شخصية تحشو جمجمتها الأوهام، فيعتقد أنه ثوري أنقذ الديمقراطية بانقلابه على رئيس مدني منتخب، ففقأ العين التي أراد أن يعالجها من رمد، و ألقى في ضرامِ النارِ المستجيرَ به من الرمضاء.
تتسم السمات الشخصية لولد عبد العزيز بالرداءة، فهو شخص أناني، مسفٌّ في أقواله و أفعاله، مرمى طرفه سفح الجبل لا قنّته، لا تخلُب فؤاده معالي الأمور، و لا يهفو قلبه لكرام السجايا و محاسن الشمائل. يرد الحسن بالسيء و الجميل بالقبيح، فقد التقطه اعل ولد محمد فال من قارعة الطريق فكان له عدواً و حزَناً، و بوّأه ولد الطائع رتباً لا يستحقها فرماه بمقانب غدره و خيانته، و وثق فيه المحترم سيدي ولد الشيخ عبد الله و جعل منه جنرالاً لينقلب على نظامه، و محضه ولد الغزواني الودّ و حافظ له على حكمه و هو مسجىً في لحاف أبيض بمستشفى بيرسي، و لم يتدخل في حكم كان شريكا رئيسيا في الوصول له، و بذل ولد بوعماتو ماله وجاهه لتمرير انقلابه فأنكر جميله، حتى تهضّم حقه و نفاه من وطنه..
هذا الشخص المعجون من طينة الحقارة يتحدث في بيانه يوم أمس عن "تراجع القيّم و الأخلاق و المباديء" و كأنه الضفدع تقول للزرافة: لقد ملأت الدنيا نقيقاً.!
تصوروا أن تطعن البغيُّ في شرف الحَصَان، فيتحدث ولد عبد العزيز عن "انحسار الحريات الفردية و الجماعية" في ظل حكم ولد الغزواني، و هو من إن تكلمت فأوجزت عن تجربتي الشخصية مع قمعه لحريتي، قلت: لقد سجنني أشهراً تسعاً، و اعتدى "أجاربه" عليَّ أمام ناظريْ طفلي الصغير، و أحرق منزلي و سيارتي، ثم نفاني من وطني، و حلّأني بالمناهل.. فهل يحق له الحديث عن الحريات، و لكل صاحب رأي معه قصة تشبه قصتي شبهَ الغراب بالغراب.؟!
كيف يتحدث عن بسط الحريات من لم يرخص قناة تلفزيون إلا لابن عم، او ابنة بنت عم، أما قصة ترخيص "المرابطون" و عدم الترخيص لقناة صحراء ميديا فلا تخفى على متابع للشأن الموريتاني.؟!.. ثم يحدثك غُلبُ الرقاب عن حرية الصحافة، في عهد كان فيه ابن عم رئيس الدولة ينشر بيان مجلس الوزراء على موقعه "الموريتانيدي" قبل أن ينشر في وسائل الاعلام الرسمية، و يقال للصحفي "اطفِ التلفزة.. انت شمكلّمك؟!".. و تكاد تستوعب السجون من الحقوقيين و المعارضين ما لاتستوعب من المجرمين و اللصوص.!
لقد ذاق المواطن الموريتاني في ظل نظام ولد عبد العزيز علقم الفاقة و صاب الفقر و حنظل الحاجة، فتفشت البطالة و تردّت مستويات التعليم، و كانت "العمولة" الهدف و الغاية من وراء أي "إنجاز"، فليس مهماً شراء جهاز "سكانير" لا يفيد مستشفى كيفه ما اقتطعت منه عمولة للرئيس، و لا يهم ما يكلفه تشييد مطار أو قصر مؤتمرات إن انتفخ به جيب الرئيس أو حقيبة تكيبر، و هكذا فلتغرق الطرق و الشوارع عند أول زخة مطر إن كانت إقامتها تدرّ ربحاً على "فخامته".
لقد غادر ولد عبد العزيز السلطة، غير مأسوف عليه، و المديونية الخارجية تصل إلى 105% من الناتج القومي المحلي، و 68% من الموريتانيين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، و مؤشر تدني التعليم في موريتانيا يصل 128 من أصل 130 عالمياً، و تدهور الخدمات الصحية يصل مؤشره 133 من أصل 136 عالمياً، و البطالة في الشباب الموريتاني تتجاوز 35% و الرتبة التي يحتلها الجيش الموريتاني من بين جيوش العالم 129 من أصل 131، و مؤشر ارتفاع الضرائب يحتل الرتبة الثالثة عالمياً، و سعادة الإنسان في موريتانيا يصل مؤشرها لـ 131 من أصل 133، و النظام المالي في موريتانيا من ضمن الأسوأ في العالم، و هذا غيض من فيض جرائم ولد عبد العزيز في حق البلاد.
لقد سيطرت على حقبة ولد عبد العزيز الفضائح المالية و الأخلاقية، و فشا التنصت على المواطنين، و انتشر الخوف و ساد الفزع، و أصبحت أجهزة الدولة مجرد مصالح لتحصيل المال لولد عبد العزيز، و لكن شخصيته الانفصامية الأخرى تصدق أنه ظل يسعى منذ آماد طويلة لمصلحة البلاد. كما ورد في البيان.
أما و قد بدت لنا سوأته الأخلاقية و السياسية، فإن له سوأة أخرى من الغباء و السذاجة السياسية كشفتها طريقته في التعامل مع ولد الغزواني رئيساً، منذ أزمة "المرجعية" حتى زواجه السياسي مع "شين السعد" ولد لوليد..
حين تكتشف بعد 12 عاماً أن الطبيب الذي وثقت في علاجه، و سلمته جسمك المريض ليشفيه، كان يحقنك بالسموم و يسرق قوتك و قوّتك، فهل تعطيه فرصة أخرى يجرب فيها علاجك.؟!
يجب على الموريتانيين، و خصوصا الشباب الذي صادر ولد عبد العزيز أحلامهم في الرفاه و الرخاء، أن يكونوا بالمرصاد لهذه الاستدارة الماكرة، فمن حق الوطن علينا أن نحمي أبنوسه و سنديانه من أن ينخره السوس و تأكله الأرَضَة و تبول عليه الصراصير.