تحقيق صحفي: وزارة الزراعة في موريتانيا... منارة للفساد وسوء التسيير
من المفترض أن تكون وزارة الزراعة في موريتانيا قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعتمد ملايين المواطنين على هذا القطاع الحساس. ومع ذلك، أصبحت الوزارة نموذجًا بارزًا لسوء الإدارة وتداخل المصالح، حتى تحولت إلى مصدر إحراج داخلي وخارجي. في هذا التحقيق، نتعمق في أبرز الفضائح المثيرة للجدل، نكشف عن تفاصيلها، ونرصد تداعياتها على الوطن والمواطن.
1. مهرجان التمور الدولي: مشهد سافر للفساد وسوء الإدارة
في النسخة الأخيرة من مهرجان التمور الدولي في تجكجة ، الذي تنظمه الوزارة بدعم من جائزة خليفة الدولية للنخيل والتمر، أظهرت الأحداث قمة العبث الإداري وسوء استغلال الموارد.
أسطول السيارات الفارغة:
في خطوة أثارت استياء الكثيرين، استخدمت الوزارة أسطولًا من حوالي 20 سيارة فاخرة لتتنقل فارغة دون أي جدوى واضحة، في استعراض يُظهر التباهي على حساب الكفاءة.
سوء التعامل مع الشركاء الدوليين:
بدلاً من التركيز على أهداف المهرجان الزراعية، انشغل موظفو الوزارة بطلب تسهيلات شخصية من أجل السكن في تجكجة وطلب أموال شخصية من الاماراتين، ما جعل الشركاء الدوليين يصفون أنفسهم بـ"عبيد الوزارة". أحد المنظمين الإماراتيين قال بالحرف:
"المهرجان الذي ندعمه لتحسين القطاع الزراعي، أصبح مجرد وسيلة لتنقل موظفي الوزارة وتنزههم دون نتائج ملموسة."
ضعف النتائج العملية:
انتهى المهرجان دون أي تقارير واضحة عن الفوائد الفعلية أو استراتيجيات الوزارة لدعم زراعة النخيل، مما ترك انطباعًا عامًا بأن الغرض الحقيقي هو الاستفادة الشخصية لموظفي الوزارة.
2. صفقة السيارات الفارهة: فساد بلا حدود
تُعتبر صفقة السيارات المشبوهة واحدة من أبرز ملفات الفساد داخل الوزارة.
تفاصيل الصفقة:
تضمنت شراء أسطول من السيارات الفارهة بتكاليف تقدر بمئات الملايين من الأوقية، دون توضيح الجهة الممولة أو الهدف العملي من هذه السيارات.
أوجه الجدل:
أُثيرت شكوك حول تورط مسؤولين كبار في الوزارة باستغلال الصفقة للحصول على عمولات شخصية ضخمة، وسط غياب أي مساءلة قانونية أو متابعة من الجهات الرقابية.
الاستخدام المفرط دون جدوى:
أصبحت هذه السيارات أداة للاستعراض خلال زيارات الوفود الوزارية، حتى في المناطق التي تعاني من الكوارث. على سبيل المثال، خلال زيارة الوفد الوزاري لمناطق الفيضانات الأخيرة، كان الأسطول حاضرًا بأبهى صوره، بينما تُرك المواطنون ضحايا الفيضان دون أي دعم أو تعويض.
3. الفيضانات: مأساة المواطن وسط غياب التخطيط
٤.
كشفت الفيضانات الأخيرة عن الخلل العميق في بنية الوزارة:
غياب السدود والتخطيط الوقائي:
ارتفع منسوب المياه بشكل كارثي دون أن تتوفر أي سدود لحماية القرى أو الأراضي الزراعية. العديد من السكان فقدوا مصادر رزقهم، بينما لم تقدم الوزارة سوى زيارات دعائية للمتضررين.
لا دعم ولا تعويض:
لم يتلقَ المزارعون أي دعم مباشر لتعويض خسائرهم. أحد المزارعين من المناطق المتضررة قال:
"لقد شاهدنا الوفد الوزاري يتنقل بأسطول سياراته الفارهة، يلتقط الصور ويتفاخر، بينما نحن لا نملك حتى ما نسد به رمق أطفالنا."
الإهمال المزمن:
الفيضانات لم تكن كارثة مفاجئة، بل كانت نتيجة سنوات من الإهمال في تطوير البنية التحتية للري والزراعة، مما يعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى الوزارة.
4. مهرجانات وهمية ومشاريع فارغة
لا يقتصر الأمر على مهرجان التمور. الوزارة تنظم مهرجانات ومشاريع عديدة، ولكنها في معظمها تفتقر إلى الشفافية والجدوى العملية.
الميزانيات الضخمة دون نتائج:
تُصرف ملايين الأوقية على فعاليات دعائية لا تترك أي أثر ملموس على القطاع الزراعي.
التداخل بين المصالح الشخصية والإدارية:
غالبًا ما يتم استغلال هذه المناسبات لتوزيع المكاسب بين مسؤولي الوزارة، بدلًا من توجيه الموارد لتحسين حياة المواطنين.
5. شركاء دوليون ينسحبون تدريجيًا
بدأت المؤسسات الدولية تتجنب التعاون مع الوزارة بسبب سوء التسيير.
شكاوى متكررة:
العديد من الشركاء الدوليين اشتكوا من تداخل المصالح الشخصية في مشاريع الوزارة، ما أدى إلى تعثر العديد من المبادرات الممولة دوليًا.
انعدام الشفافية:
تقول مصادر مقربة من الشركاء إن الوزارة فشلت في تقديم تقارير شفافة عن استخدام الأموال المخصصة للمشاريع، مما جعل المؤسسات الدولية تعيد تقييم علاقتها بالوزارة.
6. تداعيات خطيرة على المواطنين والاقتصاد الوطني
المزارعون ضحايا سوء الإدارة:
يعيش المزارعون في ظروف صعبة بسبب غياب الدعم الحكومي، ما يدفع الكثيرين إلى ترك أراضيهم والبحث عن مصادر دخل أخرى.
زيادة الاعتماد على الاستيراد:
بسبب فشل الوزارة في تطوير الزراعة المحلية، يعتمد الاقتصاد الوطني بشكل متزايد على استيراد المواد الغذائية، مما يثقل كاهل الميزانية العامة.
وفي الختام
هل من أمل للإصلاح؟
في ظل هذا الواقع المظلم، تحتاج وزارة الزراعة إلى إصلاحات جذرية تبدأ بمحاسبة المسؤولين المتورطين في الفساد، وتفعيل الرقابة على المشاريع، وضمان الشفافية في التعامل مع الشركاء. كما أن الدور الإعلامي والمجتمعي ضروري لكشف الحقائق والضغط نحو تغيير يحقق العدالة للمواطنين، خاصة المزارعين الذين هم الأكثر تضررًا.
يبقى السؤال: هل ستكون هناك إرادة سياسية حقيقية لإنقاذ هذا القطاع الحساس؟ أم أن المواطن سيظل يدفع ثمن الفساد وسوء التسيير؟