روصو بين الوعود المعلقة وواقع البؤس المقيت
في كل مرة يتأهب فيها مسؤول حكومي رفيع لزيارة ولاية اترارزة، يُعاد المشهد المكرر نفسه: سياسيو الولاية ينفضون الغبار عن وجوههم المألوفة، ويشرعون في جولات استعراضية مغلفة بالكلمات المنمقة والابتسامات المزيفة. روصو، المدينة المنكوبة منذ عقود، تتحول في تلك اللحظات إلى مسرح عبثي، يُمثل فيه السياسيون أدوارًا مُتقنة لاستعطاف المواطنين وإيهامهم بأن "التغيير" بات قريبًا، بينما هم يدركون، كما يدرك الجميع، أن ما يقال لا يعدو كونه أوهامًا مصطنعة لتلميع صورتهم أمام الزائرين.
الزيف المنمق والمظالم الصارخة
يتقن هؤلاء السياسيون فن التظاهر، ويُحسنون لعب دور المُخلص في الوقت بدل الضائع. يوزعون الوعود كما لو كانت صكوك غفران، متناسين أن أبناء الولاية لم ينسوا سنوات الجفاف السياسي والإهمال الإداري. كلما اقترب موعد زيارة مسؤول كبير، تبدأ حركة محمومة لطلاء الباطل بالحق، ومحاولة دفن أصوات المعاناة تحت ركام التصريحات الرنانة التي لا طائل منها. أبناء روصو، الذين خبروا تلك الحيل، لم يعودوا بحاجة إلى من يُذكرهم بأن من يُظهرون اليوم حرصهم على قضاياهم هم أنفسهم من غابوا عنهم طيلة السنوات العجاف.
اترارزة: الغنى المهدور والبؤس الموروث
اترارزة، التي تُعتبر من أغنى ولايات البلاد بمواردها الطبيعية والزراعية، تعيش تناقضًا صارخًا بين إمكاناتها الهائلة وواقع سكانها البائس. المدينة، التي تختنق تحت وطأة الإهمال، ترزح في فقر مُدقع يُنافي كل ما تمتلكه من مقومات للنهوض. بدلًا من أن تُصبح روصو نموذجًا للتنمية والاستثمار، تُركت لتغرق في مستنقع الحرمان، فيما يتسابق السياسيون على إخفاء هذا الواقع المؤلم أيام الزيارات الرسمية، وكأنهم يسعون إلى تغطية الشمس بغربال.
إلى متى تستمر المسرحية؟
إن منطق التمويه وإخفاء الحقائق لن يُجدي نفعًا أمام أجيال شابة تفتح أعينها كل يوم على وعود كاذبة وأحلام مُجهضة. أبناء روصو، ومن ورائهم أبناء اترارزة، لا يحتاجون إلى المزيد من الوعود أو حفلات الاستعراض الزائف. ما يحتاجونه هو عمل حقيقي يستثمر في إمكانات ولايتهم ويُعيد لهم كرامتهم المسلوبة.
إذا كان سياسيونا قد اعتادوا فن المسرحيات المؤقتة، فليعلموا أن الجمهور قد ملّ، وأن الوقت قد حان لإزاحة الستار وكشف الحقائق.