الاكتتاب ... بين سنوات الخبرة و الكفاءة!!!/ انتقائية ام تعجيز؟!

ثلاثاء, 12/22/2020 - 22:49

على منوال الجدلية القائمة بين البيضة و الدجاجة تسير الكثير من الإكتتابات ( القطاع العام او الوظيفة العمومية ، القطاع الخاص و المنظمات الدولية) حيث يطلب توفر المترشحين على سنوات خبرة بين 5 و 10 سنوات و في بعض عروض العمل نجد خبرة سنتين كأقل تقدير في الوقت الذي يشهد سوق العمل المحلي ركودا تسبب في تفاقم معدلات البطالة و الفقر و ارتفاع نسب الجرائم العنيفة. فالمشغلين ينسون او يتناسون أن الذي لم يحصل على فرصة للعمل في المجال الذي درسه لن يكون بمقدوره أن يراكم سنوات خبرة التي يطلبون!  الأمر البديهي و المؤلم هو أن هذه الفرصة لا تتاح أمام جميع من بذل جهدا للحصول عليها فهنالك من بذلت له الجهود و طوعت له القوانين و بسط له السجاد الأحمر ليراكم سنوات خبرة نظرية و على الورق فقط ليكتتب بعد ذلك رغم عدم احقيته في ذلك.
__

*تحليل حالة*

شاب من ابناء الهامش إمتاز طيلة مسيرته التعليمية فتميز خلال المرحلة الثانوية و بذل الغالي و النفيس أثناء المرحلة الجامعية ليسافر خارج البلد من اجل اكمال تعليمه، و خلال دراسته في الخارج تميز بتحليلاته الرائعة لكل الأطروحات النظرية في مجال تخصصه، الأمر الذي أثار دهشة أساتذته و زملاءه و جعلهم يثنون على تميزه و يثمنون قدراته و يتنبؤون له بمستقبل زاهر في المجال-و طبعا على الرغم من مهنية تخصصه فهو يبقي نظريا ما لم يشفع بالتدريب المهني- .  بعد إنهاء دراسته رجع الشاب محملا بشهادة (ماستر مهني) في التخصص المذكور - بمعنى جاهزيته للعمل- لكنه اصطدم بسوق عمل يسيطر عليه الفساد و الوساطة  (المحسوبية و الزبونية)  ليخوض بعد ذلك سنوات من الصراع ضد الثالوث ( الفساد، البطالة و الأوضاع المعيشية الصعبة) بدون الحصول حتى على فرصة للتدريب ( stage) رغم طرقه لكل الأبواب، و في النهاية كان في كل مرة يتقدم فيها لوظيفة معينة تشترط عليه سنوات الخبرة - عامان على الأقل- كأحد الشروط الأساسية لإكتمال ملف الترشح!
 هذا الشاب قد يكون أي واحد منا و لكنه في النهاية و بالقطع موجود و يعاني بشكل متكرر من هذا الشرط الذي يكبح تحقيق أحلامه المهنية و يشكل خنجرا يستل كفاءته و إمكانياته مع مرور الأيام و يمتص تحفيزه كما تمتص الكثبان الرملية أمطار الخريف، فهل من العدل حقا أن يطالب المشغلين بتوفر سنوات خبرة في ظل تفاقم البطالة و عدم مساهمة المؤسسات و المنظمات في ترقية المحتوى المحلي ( تدريب خريجي المعاهد و الجامعات على سبيل المثال)؟ أوليس من الظلم إقصاء ذوي الكفاءات و الإمكانيات بناء على شرط سنوات الخبرة خاصة في ظل تنامي البطالة المقنعة في صفوف الموظفين؟ مالذي يضمن حقا أن الموظف الذي يمتلك سنوات خبرة طويلة (على الورق) أفضل من المترشح المسلح بالتعليم الجيد و التحفيز البحث المتواصل عن النجاح و التدريب الذاتي غير المنقطع؟

في الحقيقة لا يمكن لمنكر أن ينكر أهمية توفر  عنصر الخبرة خاصة في المناصب الحساسة او الوظائف التي تتطلب خبرات طويلة، فالخبرة و الكفاءة ينبغي ان يكملا بعضهما كما أن الخبرة ان توفرت إلى جانب الكفاءة فإن ذلك يعطي مؤشرا على واقعية و منطقية تحقيق الأهداف المرسومة. لكن هذا الأمر يكون مفهوما و مبررا فقط في المجتمعات التي تحترم نفسها و تحترم التخصصات لا في مجتمعات تتغنى بالوساطة، فحين يكون المجمتع محترم لنفسه فإنه لاشك سيعمل على الإنصياع للترسانة القانونية و النظم التي ينبغي أن تفرض على المشغلين ترقية المحتوى المحلي عن طريق تدريب خريجي الجامعات و المعاهد ما سيمكن هذه الفئة من الحصول فيما بعد على الخبرة ، أما من يعيش في ظل ارتفاع صارخ لمعدلات البطالة و غياب تمام لفرص التدريب داخل المؤسسات فمطالبته بتوفر شرط الخبرة هذا لا يعدوا كونه نمط من انماط الظلم و الإقصاء بصبغة رسمية. 

.....تحياتي

عبد القادر محمد إقتصادي و ناشط حقوقي