مسؤول سامي في الدولة الموريتانية يهاجم نظام ولد عبد العزيز ويسخر منه (صورة)

ثلاثاء, 04/12/2016 - 13:45

هاجم محمد هيبتنا ولد سيدي هيبه المسؤول الكبير في الدولة الموريتانية الذي تولي فيها مناصب سامية في مقال جديد له، نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ساخرا منه.

وجاء في مقال ولد سيدي هيبه، الذي عنونه بـ: "الحوار، هل هو الحل السحري ؟"، مانصه:

  أين إذن "الحوار" الشهير، هذه الظاهرة السياسية الصوتية التى تسببت فى السنة الماضية و حتى قبلها،مما زالت الذاكرة تحتفظ به،فى اختلاط الأصوات و تشابكالمواقف؟

لقد تحول من خلال تصدره الإعلام إلى نوع من الأشباحالتي تسكن المجتمع السياسي المحلي الضيق و الرأي العام ككل و قد هيًجه و ضخمه "صوت سيده" [سيدهم] الذى يتمثل في وسائل الإعلام الرسمية و المقربة منها، فضلا عن إعلام معين معروف. لقد أجهد النظام القائم نفسه فى حملة واسعة لتأهيل هذا "المنتج" الغريب بخلق جو هو بمثابة "مأوى تحاوري"، تحول بالنسبة إليهإلى نوع من القربان أو الطوطم، و حتى إلى برنامج  حكومي(أ لم نشاهد الوزراء يخلون وزاراتهم التي تتخبط  فى عديد المعضلات فى هجرة جماعية ليقوموا بالتبشير، فى أقصى مناطق الوطن ؟).

نتذكر الهرج و المرج و الابتهاج المبالغ فيه و الهالة المصطنعة التي أُحيط بها"الحوار" من أفواه و أقلام حشدٍ من باعة "الريئال بوليتيك" المكيِفة مداريا و هواة الخيال السياسي المهرجين و حتى من دعاة المحللين و من قارئات الفنجان .. و الكل يصرخ بصوت واحد : الحوار! الحوار!..

لم يشهد مصطلح تحت سماء هذا المنكب البرزخي مثل هذا الصيت و هذا الحظ الذي حاز المصطلح المتواضع الذى تتقاذفه هفوات كل أشكال الخطاب، المبتذل و المجتر بدون أن يفيد فيشيء.

بُعبعٌ و " تبر أحمر"في ذاتالوقت يُلوَح بهمن أجل تسلية الجمهور أو لتخويف النفس غير الضار أو لطرد أرواح شريرة خفية أو فأل سيء.

منذ المحاولات الغير مثمرة الأخيرة من أجل عقد ما يشبه الحوار بين النظام و المعارضة اختفى هذا الأخير فجأة من ما يُتصور أنه حياة سياسية فى البلد تاركا الرأي العام فى حيرة، و فى ذات الوقت، بعض وسائل الإعلام المتخصصة فى التضليل دون مادة تغذى بها نشاطها الدعائي.

تساءل الناسإذا كان "الحوار" سيظهر من جديد بعد هذا الاختفاء الغامض أو يخرج من بياته ليعود للحياة و يفتح آفاقا جديدة للبلد.

و هاهو ذا  "الرئيس المؤسس" (سُمي به ربما عن غير قصد - و هي مفارقة مثيرة – من طرف أزلامه الذين ألصقوا به كُنية  يطلقها بسخرية فكاهي إذاعة فرنسا الدولية مامان ب"رئيس" جمهورية الغوندوانا الديموقراطية جدا"، النموذج المثالي لجمهوريات الموز الافريقية و غيرها) ها هو - كرد على هذا التساؤل القلق- يخرج من الدولاب "الحوار" الذى كنا نظن أنه قد دفن مؤكدا غير مازح أنه ما زال حيا و ضمن جدول الأعمال.

إن الحوار كمبدأ  و كآلية للوقاية من الأزمات و الصراعاتو كحل لها على الصعيد الوطني و الدولي، معترف به دوليا و حائز على تراكم واسع من التجربة. إنمافي الدول ذات التقاليد الديموقراطية الراسخة ليست السياسة الطبيعية واللعبة الديموقراطية مرهونة بإيقاع أي حوار مؤسسي أوغير مُصنف. فالحكومة المنتخبة بشفافية تنفذ برنامجها والمعارضة الديموقراطية تصارع سلميا لخلق ظروف التناوب على السلطة، و هما جميعا تتحركان فى نطاق احترام القوانين و وفقا للاستخدام السليم  للديموقراطية. إن مناقشة الأفكار و المناظرات بين البرامجو النشاطات المختلفة الخاصة بكل فريق تدار دائما فى الأسوار و الفضاءات المخصصة لها (البرلمان، الأحزاب السياسية، الإعلام، الأماكن العامة الخ...).

ما ذا يعنى الحوار اليوم فى ضوء الاعتبارات الآنفة الذكر و فى الوضعية الوطنية المعاشة؟ ظل النظام يدعى فى كل مناسبة أبوية النداء إلى الحوار، حتى فكرة الحوار نفسها، لكن إذا نظرنا إلى تصرفه على  أرض الواقع نلاحظ قدرا كبيرا من عدم الاتساق و من المفارقات، مما يزرع الشك فى نياته و دوافعه الحقيقية.

إنه من العلوم على نطاق واسع عند الرأي العام أن اتفاقيات داكار التي تمت تحت رعاية المجتمع الدولي لم تُفعًل بالشكل المطلوب مما ترك الأزمة الناجمة عن انقلاب 2008تستمر بل تتفاقم. من المعروف كذلك أن نتائج الحوار المنظم فى 2011 بمشاركة جزء من المعارضة بقيت حبرا على ورق ، باستثناء تعديلات ثانوية أدخلت على استحياء فى الدستور.

أخيرا إن جميع المحاولات التى تمت مع منسقيه المعارضة و بعدها "المنتدى الوطني للديموقراطية و الوحدة" لم ينتج عنها شيء  رغم الضجيج الذى رافقها فيأكثر الأوقات. فى السياق نفسه نلاحظ أن كل نداء للحوار يبتدره النظام يأتي دائما - يا للغرابة –فى الوقت الذى لم يكن منتظرا فيه و فى أغلب الأحيان بعد ما أنجز بصفة أحادية أجندته الخاصةو بتعسف و دون أي اعتبار للقوانين و الأعراف المعمول بها، و بعد أن يجري "التطبيع" و الأمرالواقع هاهو ذا يُخرج من قبعته أرنب "الحوار"راميا به إلى رأي عام منخدع و إلىفاعلين سياسيين شبه فاقدي الذاكرة وأبطال أبديينللعبة الهزلية.

إن غياب المصداقية و عدم الجدية فى التزامات النظام الحالي من أجل حوار وطني جاد تعضدهما تصريحاته المتناقضة التي تنفى وجود أية أزمة فى البلدمن جهة  و تدعو إلى الحوار مع المعارضة من جهة ثانية. هذه الازدواجية فى الخطاب، هذا الإقدام ثم التردد الدائمان أو على الأصح هذا الانفصام الذى يترجم فى الواقع إخفاء الارتباك و انعدام الاستمرارية و الخواء، مؤشر علىنظام يلجآغرائز ياإلى الهروب إلى الأمام و الخداع كنهج  في التسيير. حتى لو أراد التخلص من هذا الطبع فانه يعود بسرعة !

المشاهد