تعتبر المحافظة على إمدادات النفط الوطنية خدمةً للمصلحة العامة أمرا واجبا بالرغم من ان قلة الحديث حول هذه القضية ذات الاهمية القصوي و باهضه التكاليف لموريتانيا و الفضيحة الحقيقية التي يراد التستر عليها و الخطيرة. فالأمر لا يقل اهمية عن تقرير محكمة الحسابات الذي تم تسليمه مؤخرا لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني. .
وجدير بالذكر ان الرئيس دعا رئيس الوزراء ولد أجاي وحكومته إلى أخذ توصيات تقرير محكمة الحسابات على محمل الجد، وبالتالي اتخاذ إجراءاتٍ ضد المتورطين في سوء التسيير، و ان تعلق الامر ب"أخطاء" و"زلات"! و هو ما يمثل قراراٌ صائبا يتماشى تمامًا مع مكافحة الفساد.
الا انه يجب كذلك أن يتعلق هذا الامر أيضًا بمسألةٍ أخطر تُلحق ضررًا جسيمًا بالدولة والمواطنين والبلد بأكمله، حيث تخسر البلاد مئات الملايين من الدولارات في سوق توريد المحروقات السائلة في ظلّ غموضٍ تام.
إنّ التجديد الضمني لهذا العقد مخالفٌ للإجراءات، وقد أثار إدانةً شديدةً الأسبوع الماضي.
انه من الضروري ان لا تبقى الشفافية في الحياة العامة مجرد كلام فارغ، خاصة عندما يتعلق الأمر بسوق بالغ الأهمية كسوق المحروقات السائلة في البلاد و الذي تتجاوز قيمته ملياري دولار (اي أكثر من ملياري دولار أمريكي بكثير؛ لم يسبق لسوق أخرى أن بلغت هذه القيمة في موريتانيا!).
إن سوقاٌ كهذا، ذا مصلحة عامة، لا ينبغي ان يكون محلّ بيعٍ رخيص. إن العقد الذي يتم السعى لتجديده، لأسبابٍ واهية، يُبرّر كل الانتقادات ويُشكّل مصدر خسائر فادحة للبلاد. فيكفي للتأكد من ذلك مقارنة أسعار المنتجات النفطية التي تدفعها موريتانيا بأسعار المغرب والسنغال وكوت ديفوار (على سبيل المثال الدول الساحلية) لإدراك فداحة التفاوتات غير المبررة.
فبالعكس من ذلك، يجب أن يكون هذا الأمر موضع متابعة دقيقة، لا سيما وأن العقد السابق، الجاري تجديده، كلف البلاد أكثر من ملياري دولار، وولّد بالفعل فروقًا في الأسعار بمئات الملايين من الدولارات، خسرها المستهلك والبلاد، وأغرقت جيوب المُستغلين المعروفين..
ان توخي الإنصاف والنزاهة والدقة، يتطلب منح العقد، بشفافية تامة، للشركة التي تقدم أفضل سعر مقابل جودة، بما يحمي المواطنين.
ونذكر هنا أن المادة 23 من المرسوم 2019-56 تحدد مدة العقد بسنتين. ولا يُمنح أي تمديد او تعاقد جديد إلا بموجب مرسوم آخر. هل هذا هو الوضع الحالي؟ وما الأسباب؟
ان السبب المُقدم هو توافق عقد التوريد مع عقد إنشاء مستودع نفط بسعة 100,000 متر مكعب، والذي يُضمن تمويله ودفعه بإضافة سعر النفط المستورد.
ومع ذلك، فهذان عقدان منفصلان. كما كان علي المورد ان يخصم تكاليف الإنشاء بالكامل. ، يبقى ويبقي على المورد من حيث المنطق، الوفاء بالتزاماته المتعلقة بالبناء خارج عقد التوريد.
ويشير الخبراء في هذا المجال إلى أن تمديد عقد الاستيراد ليس محظورًا فحسب، بل غير مناسب أيضًا، نظرًا للتغيرات الجذرية في سوق النفط العالمية.
ويُقال إن السعر المطبق حاليًا في موريتانيا أعلى بما يتراوح بين 100 و150 دولارًا أمريكيًا من سعره في منطقة غرب إفريقيا، مما يشير إلى فائض يزيد عن 100 مليون دولار أمريكي تدفعه موريتانيا سنويًا!
ألا ينبغي النظر في فتح السوق أمام منافسة جديدة، ولو لمجرد هذه الفجوة الهائلة؟
انه من الممكن في غياب مثل هذه الدعوة لتقديم عطاءات، تخفيض السعر بما لا يقل عن 75 دولارًا أمريكيًا للطن المتري، دون منافسة تُذكر، بمجرد استشارة التجار العاملين في المنطقة.
أن عقد التوريد محل الجدل و الذي يحظى بدعم غير مبرر من عدة جماعات ضغط وسلطات، كلف البلاد خسائر فادحة:
من حيث السعر؛
في جودة المنتج؛
في تأخر التسليم؛
في إلغاء العقوبات؛
في مختلف أنواع الامتيازات...
ومع ذلك يتم التخطيط بسلام تام ودون أي إدانة، لمواصلة نهب البلاد بلا حدود لصالح مجموعة من رجال الأعمال الوهميين.
التاريخ سيذكر ويحكم!
إن التصرف بهذه الطريقة، بانتهاك حقوق المنافسين الجادين، من المرجح أن يُبعد المستثمرين الدوليين ويُشوّه صورة البلاد في الخارج. بل إن البعض يُخمّن له أن الامر يتعلق بعملية تخريب مُدبّرة لضمان اتباع حكومة محمد ولد الشيخ الغزواني نهج حكومة محمد ولد عبد العزيز، مع خطر، لا سمح الله، وقوع "محاكمة عشرية" أخرى.
لقد حان الوقت لاستخلاص الدروس كما انه من الضروري ان نأخذ العبرة من التاريخ ذلك لأنه . ليس حبيس أحد. كما ان العمل غير القانوني سيبقى غير قانوني دائمًا وسيظل كذلك.
لطالما عوقب على هذا النحو. ان محمد عبد العزيز يعتبر في هذا السياق مثال حي على ذلك. فلا ينبغي لأحد أن ينسى ذلك.
ولد الناس