مرسوم الصحفي المهني يُمهّد الطريق… فهل تجرؤ الدولة على تنظيف المهنة / عالي محمد ولد أبنو

بواسطة وكالة الإعلام …


ليست كل مهنة شرفًا، ولكن الصحافة حين تكون على حقيقتها، هي أشرف المهن، وحارسة الضمير، ولسان المجتمع حين يخفت صوته أو يُصادر. غير أن هذا الشرف العظيم لم يسلم من عبث العابثين، ولا من قُبح المتطفلين الذين اقتحموا بلا حياء محراب الكلمة، فدنّسوا حرمته، وخلطوا الطيب بالخبيث، والغث بالسمين، والمهني بالدعيّ، فاختلطت الأدوار، وضاعت المعايير.
لقد ظل ما يسمى بـ”قانون الصحفي المهني” ـ في صورته الراهنة ـ حبرًا على ورق، رخوًا كماء، هشًّا كبيت عنكبوت، قابلا لأن تُلوى أعناقه في كل اتجاه، ويُترك بابه مشرعًا لكل دخيل على المهنة، فلا شرف يُصان، ولا ضابط يُحتكم إليه، حتى تحوّل الحقل الإعلامي إلى غابة يصطرع فيها الحابل بالنابل، ولا صوت يعلو فوق ضجيج الابتزاز والاسترزاق الرخيص.
لكن المرسوم التطبيقي الصادر أمس جاء كقبس في الظلام، محاولة وإنْ خجولة لإعادة الاعتبار لما يمكن اعتباره مهنة. ومصدر الأمل في هذا المرسوم أن من وقّعه، الوزير الدكتور الحسين ولد امدو، هو أحد أبناء المهنة الأصلاء، ممّن تخصصوا أكاديميا وعركهم الميدان، ولسعتهم نيران الفوضى، وعرفوا بألم التجربة كيف يُغتصب شرف الصحافة على أيدي الجهلة، وكيف تُستباح رسالتها أمام جحافل من لا خلاق لهم.
أي مهزلة هذه التي تسمح لكل من ملك هاتفًا وحسابًا وهميًا، أو طبع منشورًا ركيكًا، أن يسمي نفسه “مدير نشر” أو “مدير مؤسسة إعلامية”؟
أي عبث هذا الذي يجعل مهنة الصحافة بلا بوابة شرف، ولا شهادة عبور، ولا قَسَم يُؤدى على عتباتها؟!
أليس في هذا البلد قانون يحظر فتح صيدلية على غير صيدلي؟
أليس من المعلوم بالضرورة أن لا عيادة تُفتح إلا بيد طبيب؟
فلماذا إذًا نترك الإعلام ـ وهو أكثر المهن اتصالًا بعقول الناس ووعيهم ـ عاريًا، مستباحًا، يعبث به كل من لفظته مهنة أخرى أو لفظه المجتمع نفسه؟!

لقد آن أوان الحسم.
آن للسلطات أن تضع حدًا لهذا التسيب المقنّع بقوانين مائعة.
آن لقانون جديد صارم أن يرى النور، يُعرّف الصحفي كما يُعرّف الطبيب والمهندس والضابط، ويُقيّد حق إنشاء المؤسسات الإعلامية بيد المهنيين لا الدخلاء والمنتحلين، ويوصد أبواب الإعلام في وجه من لا صلة له بالشرف ولا بالحرف.
فالمهنة التي لا تُحمى تسقط،
والكلمة التي لا تُقدَّس تُداس،
والمجتمع الذي لا يصون ضميره،
يصحو ذات يوم ليجد أن لا ضمير له