تعدالعلاقة بين تجريم التمييز وخطاب الكراهية ....ومفهوم التضييق على حرية الرأي والتعبير ....من ابرز الاشكالات في العصر الحديث وذلك للاعتقاد السائد بأنها فى الواقع مجرد تجل من تجليات الصراع بين الحرية والسلطة الذي يعود فى الحقيقة الي ماكان شائعا من ممارسات أيام الأنظمة الشمولية أي ما قبل التحول الديمقراطي وهذا التصور يجد مبرره فيما شهده البلد في السنوات الأولى لتأسيسه من تباين في الآراء بين مختلف القوى السياسية حول شكل الدولة .....وما رافق ذلك من حراك اجتماعي شكلت المطالب العمالية عنوانه الابرز.....
لقد رافقت جدلية الصراع بين الحرية والسلطة جميع المحطات التى مر بها البلد منذ الاستقلال الى اليوم رغم ماشهده نظام الحكم من تحول فى اتجاه اقرار نظام ديمقراطي يطبعه مفهوم النسبية الهادف الى المحافظة علي كيان الدولة واستمرارها مقابل إقرار حقوق الأفراد وترسيخ حرياتهم وتزويدهم بالضمانات اللازمة لمواجهة السلطة فيما بدى أنه تحول من نهج الصراع بين الحرية والسلطة الي إقرار مبدأ التعايش بين الحرية والنظام من منطلق ارتباط كل واحد منهما بالآخر فلا وجود لحرية دون نظام .....
ان ماطرأ من تحول فى الصراع القائم بين الحرية والسلطة لم يكن فى الواقع محل إهتمام وتقدير من طرف الجميع بل إن البعض قد توسع كثيرا في إستخدام ماتم منحه من حريات لتحقيق مكاسب سياسية أو مصالح شخصية دون مراعاة ماعليهم من واجابات اتجاه الدولة والمجتمع.....
لم يكن لتلك الممارسات تأثير كبير فى فترة ماقبل دخول البلاد عصر التحول الرقمي وماحمله من قدرة فائقة على تغذية العنف ونشر الخطابات المشحونة بالنعرات العرقية والقبيلة والدعوات العنصريه والمساس بهيبة الدولة ورموزها الوطنية وترويج خطابات الكراهية والتمييز .....وذلك من خلال ماوفره للافراد من إمكانية إنشاء منصات إعلامية أدت في الواقع الي الإفراط غير المسبوق فى إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتسببت للمتعاطين فى خلط والتباس كبير فيما يتعلق بمجال وحدود حرية الرأي والتعبير والنشر......لعدم أستيعابهم الخط الفاصل بين ماهو مسموح به وماهو مرفوض قانونا واخلاقا......
أدى جو الاستقطاب والانقسام الناتج عن تلك الظواهر والمغالاة في بث ونشر كل مايستهدف وحدة المجتمع وسلامته ويسئ الى مالديه من قيم وأخلاق ويهدد الأمن والسلم العام الى إستشعار مايتهدد الدولة من مخاطر أصبح من الضروري مواجهتها بصرامة وحزم فأصدر المشرع الموريتاني مجموعة من النصوص القانونية المجرمة والعاقبة لتلك الأفعال كان من أبرزها القانون المتعلق بالجريمة السبرانية والقانون المتعلق بتجريم التمييز وقانون التلاعب بالمعلومات والقانون المتعلق بحماية الرموز الوطنية والمساس بهيبة الدولة وشرف المواطن......
جاءت تلك القوانين استجابة لخلق التوازن المفقود بين ممارسة حرية الرأي والتعبير ومكافحة التمييز وخطاب الكراهية وكل أشكال المساس بمقومات الدولة ....ذلك أن حرية الرأي والتعبير وإن كانت جوهر الديمقراطية ومحل تكريس من قبل المواثيق الدولية والاقليمية والدساتير والقوانين المحلية فإن ذات المواثيق والتشريعات لم تجعل منه حقا مطلقا على خلاف مايتصوره البعض بل قيدته بضابط القانون وهو مايظهر من خلال ماتضمنته المادة التاسعة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة العاشرة من دستور 20 يوليو1991 ولعل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية كان الأكثر وضوحا وتحديدا لتلك القيود في مادته 19 التى جاء فيها انه يتعين إخضاع ماتم تحديده من مسؤوليات في هذه المادة لبعض القيود شريطة ان تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية كأحترام حقوق الآخرين وسمعتهم وحماية الأمن القومي......وأكدت المادة 20 أنه يحظر بالقانون أية دعاية للحرب أو دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
إن محاربة تلك الخطابات والوقاية منها لايمكن أن يتحقق بمجرد إصدار سلسلة من القوانين المجرمة والعاقبة على ارتكبها ذلك ان القانون وإن كان من أبرز عوامل محاربة تلك الجرائم إلا أنه فى الواقع لايعد العامل الوحيد وإنما يتعين أن يتكاتف مع مجموعة من العوامل لتتشكل بالفعل أسس ومعالم أستراتجية وطنية متعددة الجوانب ومتكاملة الأبعاد تساهم فى بلورتها جميع قطاعات الدولة والمجتمع المدني بمختلف مكوناته......وتأخذ في الإعتبار وضع آليات كفيلة بتعزيز وترقية التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة في تحديد أسباب تلك الجرائم وطرق رصد أشكالها ومظاهرها واقتراح التدابير والإجراءات الكفيلة بمحاربتها والوقاية منها......واعتماد برامج تعليمية وتحسيسية وتوعوية لنشر ثقافة حقوق الإنسان والتسامح والمساواة والحوار البناء وقبول الآخر........ولوضع تلك الاستراتجية موضع التنفيذ يتعين إنشاء مرصد وطني للوقاية من تلك الجرائم يعهد اليه بإعداد تقرير سنوى يرفعه الي رئيس الجمهورية يتضمن تقييما شاملا لتنفيذ الاستراتجية الوطنية للوقاية من تلك الجرائم وماتواجهه من صعوبات علي أن يختتم تقريره بما لديه من اقتراحات وتوصيات لتعزيز وترقية آليات الحماية والوقاية من تلك الجرائم .
والله أعلم