خلال الأيام الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو يشرب من كأس في وضعية وصفها الكثيرون بأنها "غير لائقة" بالنسبة لرئيس دولة. هذه الصورة، التي كان من المفترض أن تمر مرور الكرام كجزء من نشاط رسمي، أثارت جدلاً واسعًا وجدالًا حادًا حول طريقة عمل المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، ومدى وعيه بمتطلبات دوره المحوري.
الصورة: من الحدث إلى العاصفة
أظهرت الصورة الرئيس في لحظة غير مدروسة، ربما التقطت على عجل أو بدون مراعاة للسياق العام الذي يمكن أن تُستخدم فيه. الصور الرسمية، كما هو معلوم، ليست مجرد توثيق للحظة، بل هي أداة تعكس الهيبة والرؤية والقيم التي يود النظام السياسي إيصالها إلى الداخل والخارج.
لكن مع الأسف، لم تكن هذه الصورة الوحيدة التي أثارت الانتقاد تجاه المكتب الإعلامي. فقد سبق أن انتقد مواطنون وخبراء في الإعلام طريقة إدارة هذا المكتب لملفات حساسة، وغياب الرؤية الاستراتيجية التي تضمن الحفاظ على صورة الرئيس والمؤسسة الرئاسية.
المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية: بين الغياب وسوء الأداء
المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية يُعتبر الجهة المسؤولة عن إدارة صورة الرئيس وتوجيه الرسائل الإعلامية للدولة. ومع ذلك، يبدو أن هذا المكتب يعاني من اختلالات عميقة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. غياب الاحترافية الإعلامية:
نشر صور أو مقاطع فيديو دون تدقيق مسبق يعكس نقصًا واضحًا في الاحترافية المطلوبة. على المكتب الإعلامي أن يختار بعناية كل محتوى يتم تداوله، وأن يضع في الاعتبار تأثير كل صورة أو كلمة على الرأي العام.
2. ضعف استشراف ردود الأفعال:
الصور والمواقف التي تنشر من قبل المكتب غالبًا ما تثير ردود فعل سلبية بسبب غياب الوعي بالثقافة المحلية والنظرة الشعبية للمواقف الرسمية.
3. تكرار الأخطاء الإعلامية:
لا تعتبر هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها المكتب الإعلامي للرئاسة لانتقادات. فهناك سجل حافل بالأخطاء التي كان يمكن تجنبها لو تم الالتزام بمعايير إعلامية أكثر صرامة.
4. فقدان الرؤية الاستراتيجية:
يبدو أن المكتب يفتقد إلى رؤية طويلة الأمد لكيفية تقديم صورة الرئيس محليًا ودوليًا. بدلًا من ذلك، يعتمد على ردود أفعال آنية دون وضع خطة إعلامية واضحة.
الدور المطلوب من المكتب الإعلامي
لإصلاح هذه الاختلالات، يجب على المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية تبني نهج جديد يعتمد على:
1. الاحترافية والتدقيق:
يجب أن تمر جميع الصور والمعلومات المنشورة عبر لجان متخصصة للتأكد من أنها تتوافق مع متطلبات الهيبة الرئاسية.
2. التواصل الاستباقي:
بدلًا من مجرد الرد على الانتقادات، يجب أن يكون للمكتب دور استباقي في توجيه النقاش العام نحو قضايا تبرز إنجازات الرئيس وسياسات الدولة.
3. إدارة الأزمات:
يجب على المكتب تطوير خطط واضحة للتعامل مع الأزمات الإعلامية بسرعة وفعالية، بما يضمن تقليل الضرر الناتج عن الأخطاء.
4. توظيف الكفاءات:
يجب الاستعانة بكوادر إعلامية متخصصة لديها خبرة في إدارة الإعلام السياسي، وقادرة على تحسين أداء المكتب بشكل شامل.
5. إطلاق رؤية استراتيجية:
لا بد من وضع خطة استراتيجية بعيدة المدى لصورة الرئيس ومؤسسة الرئاسة، تشمل اختيار الرسائل الإعلامية والفعاليات والصور بعناية فائقة.
الإعلام بين النقد والتوجيه
إن الضجة التي أثارتها هذه الصورة تعكس حاجة ماسة لإعادة النظر في كيفية إدارة الإعلام الرئاسي في موريتانيا. فالإعلام اليوم لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح أداة لصناعة الصورة الذهنية وبناء الثقة بين القيادة والشعب. المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية يجب أن يكون في طليعة هذه الجهود، لا أن يكون سببًا للانتقادات.
ختامًا، تبقى مسألة أداء المكتب الإعلامي تحديًا كبيرًا أمام مؤسسة الرئاسة، التي تتطلب من هذا المكتب أن يرتقي إلى مستوى المسؤولية المناطة به، بما يضمن أن تكون كل صورة أو كلمة تصدر عنه تمثل رمزًا للدولة وقيمتها، بعيدًا عن الهفوات المتكررة التي تهدد صورتها داخليًا وخارجيًا.