الرسائل النَّدِيَّة من خطابات رئيس الجمهورية/ عثمان جدو

بواسطة أبوه مولاي ادريس

تكتسي الزيارة التي يؤديها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أهمية كبرى لما تحمله من دلالات وطنية وأبعاد تنموية.
فلقد كشفت هذه الزيارة أولا وقبل كل شيء عن نبل المواطن الموريتاني البسيط المرابط في أدغال موريتانيا الأعماق، حيث ذابت الشرائحية، وبُهِتَ المتلونون بتلاحم الشعب الموريتاني خلف هدف واحد، وانتظام المواطنين في طوابير الاستقبال دون تمايز، همهم الحاضر الوحيد استقبال فخامة رئيس الجمهورية بكامل الفرحة ووافر الترحاب، وإظهار السعادة المطلقة بذلك وبما يعلن عنه من برامج تنموية محلية عاجلة، مفصلة على كل منطقة بالتحديد الكاشف الذي يُظهر كل جزئية على حدة، مع بيان الحيز الجغرافي للتنفيذ، كل ذلك بالنقطة والفاصلة؛
وهنا لا يمكن أن نعيد كل ما قيل أو بسط كل فكرة تقدم بها صاحب الفخامة، بل حسبنا في هذا المقال التوقف مع بعض المضامين المميزة الواردة في خطابات رئيس الجمهورية كرسائل منتقاة من عموم رسائل الشرق القادمة من هذه الزيارة.
وهنا يمكن القول أن أهم الرسائل الواردة في خطابات الرئيس ما ذكره في مجالات التعليم والأمن والسياسة دون إغفال ما ذكره بخصوص تقوية الروابط الاجتماعية، والتركيز على إنجاح الحوار بوصفه يشكل منعطفا قادما يمكن من خلاله رسم لوحة البلاد بإشراقتها البهية حيث تكون أكثر نصاعة وأدوم نجاعة.
لن نتحدث هنا عن المنجز المبرمج من الطرق أو الحجرات الدراسية والمستشفيات أو الإعانات الاجتماعية وغيرها، فذلك تحصيل حاصل، وفي إعادته تكرار لا يخلو من الاجترار، ولكن سنتوقف مع الأفكار التي من شأن الحكومة أن تستوعبها كمضامين إيجابية مُلزمة، وتعمل على تجسيدها على أرض الواقع، ففخامة الرئيس لا يباشر تطبيق القرارات بنفسه لكنه يحدد ملامح الصورة، ويحدد ابعادها، ويرسم الخطوط العريضة لخريطة العمل الذي يجب إنجازه وفق آجال معلومة، ولأن كل جملة صدرت عن فخامة رئيس الجمهورية في سياق الأمر تعتبر مرسوما ملزما، تنفيذا، وتطبيقا؛ فيجب على القطاعات المعنية بهذه المضامين العمل بكل جدية على إتمام التنفيذ وفق أنجع السبل. 
لقد ركَّز فخامة رئيس الجمهورية على ذكر المعلم والجندي كلاهما بخير، فأكد أن تبجيل المعلم هو الطريق السالك نحو التقدم والنجاح والنهوض الوطني الشامل، وهنا على الحكومة أن تسعى جاهدة في سبيل ذلك إلى تحسين واقع المدرس قبل كل شيء باقتراح العلاوات المجزية أكثر فأكثر؛ وتقديم مقترح لصاحب الفخامة حول زيادة الرواتب زيادة معتبرة تجعله يستطيع مواجهة ارتفاع الأسعار وإكراهات الحياة الأخرى بعزة وشموخ، ثم تتبع ذلك بما يقتضيه الإصلاح من تدعيم البنى التحتية والتمكين من وسائل العمل اللوجستية والديداكتيكية. 
والحالة نفسها تنطبق على الجندي الساهر على تأمين الوطن، المرابط على الثغور، فهو المستحق علينا دون منٍّ أو أذى كل إشادة، ومن الدولة كل عناية ومساعدة، وهنا لا تكفي زيادة الرواتب فحسب؛ بل يتعدى الأمر ذلك إلى الاعتزاز بدوره وتشجيع الشباب على الالتحاق بالخطوط العسكرية، خطوط الشرف والأنفة والشموخ، وكتجسيد لذلك لا نَمَلُّ من تحسين الوضع المادي لمختلف التشكيلات العسكرية وشبه العسكرية، ثم نغمرهم بالاعتبار المعنوي الذي يجب أن يلعب فيه كل مواطن دوره كاملا؛ إجلالا لهم، وتقديرا للدور الذي يقومون به.
وهنا أقول: لولا المعلم لما كان غيره في وضعه الحسن المريح، ولولا الجندي لما بات الشبعان على أريكته مرتاح البال قرير العين. 
لقد بعث فخامة رئيس الجمهورية في إحدى المحطات الأخيرة من زيارته للحوض الشرقي برسائل وطنية، سياسية تنير دروب السالكين نحو الحوار الوطني المُطِلْ؛ فذَكر المؤسسات الدستورية ومدى نجاعتها مُتسائلا عن مدى نجاعتها ومواكبتها لحاجات البلد ومتطلبات المرحلة؛ واللبيب تكفيه الإشارة، فليس الاستئناس بذكر المنظومة الانتخابية التي يتهمها المناوئون بعدم القدرة على تسيير انتخابات نزيهة ذات مصداقية، وطنيا، ودوليا أمر اعتباطي أو هو كلام بلا معنى؛ كلا، فكلام البالغين مصان عن العبث، أحرى كلامٌ لأعلى سلطة في منبر مشهود؛ تشرئب إليه أعناق العقلاء. 
والحالة هذه يُقاس عليها ما قيل في ذكر مجلس الشيوخ وإن تلميحا، وما ذكر به المجلس الاقتصادي الاجتماعي وهيئة الفتوى والمظالم تحديدا وتصريحا، وكذا الجماعات المحلية والمجالس الجهوية، كل هذه المذكورات إن لم تولد مع مشاكل ومعيقات أفرغتها من حصول المقصد وإنجاز المؤمل، فهي على الأقل تُلازم كثيرا من المعيقات بفعل عوامل شتى، وبالتالي لابد من إعادة التفكير والمطارحة حيالها كي نضمن المردودية الإيجابية أو نريح كاهل الدولة من تراكم الأعباء بفعل وجودها دون نتيجة تذكر.
ختاما وبكل إيجاز وكما جرى به كلام رئيس الجمهورية؛ على النخب السياسية والثقافية أن تدرك وتعي وتستوعب؛ ثم تستثمر المواضيع الكثيرة الموجودة بين يديها، لتناقشها بكل نضج وروية، بعيدا عن التخوين، والتهويل، والتنابز الذي لا طائل من ورائه، وعلى الجميع أن يدرك أهمية اللحظة، وقيمة الفرصة، ومميزات المرحلة التي سيكون بساطها الأحمر حوارا شاملا لا يستثني راغبا ولا يمنع منه عاتبا.