موريتانيا: صعوبات تواجه الاقتصاد ومحاولات لتفادي الأسوأ

أحد, 11/15/2015 - 13:39

«القدس العربي»: تبذل الحكومة الموريتانية حاليا جهودا مكثفة على عدة مستويات مدعومة باستشارات وتسهيلات صندوق النقد الدولي، لمواجهة الصعوبات التي تعترض الاستقرار الاقتصادي لبلد يمر بسنة مجمع على صعوبتها البالغة.
فإذا كانت الحكومة الموريتانية قد تمكنت منذ سنة 2010، من تحقيق نسبة نمو اقتصادي مستقرة رغم صعوبة الظرف الدولي، فإن هذا التمكن يوشك أن تعرقله عوامل خارجية ضاغطة وأخرى داخلية.
ولا شك أن موريتانيا قد شهدت خلال السنوات الخمس الأخيرة تحسنا كبيرا في نتائجها الاقتصادية والمالية حيث حققت معدل نمو متوسط بلغ 5.5 في المئة.
غير أنه يخشى أن يؤدي استمرار صعوبة الظرف الدولي مصحوبا بالتأخر الكبير في تحقيق تنوع الموارد ورداءة مناخ الأعمال، خلال السنة الجارية، إلى نسف التقدم المحقق في مجال الاستقرار الاقتصادي الكلي.
ذلك ما أكدته مؤخرا بعثة صندوق النقد الدولي في نهاية مهمة من مهامها الدورية في موريتانيا، فقد دقت هذه البعثة ناقوس الخطر محذرة من حالة التدهور التي قد تصيب الاقتصاد الموريتاني.
ويتأسس هذا التحذير على معطيات قائمة، فقد أظهر هبوط أسعار الذهب وأسعار خامات الحديد في الأسواق العالمية المؤثر سلبا على مداخيل الدولة وعلى الصادرات والاستثمارات، خمسة مواطن ضعف تهدد اقتصاد موريتانيا أولها الحساسية الشديدة في مواجهة الصدمات الخارجية والثاني ثقل المديونية والثالث سوء توزيع النمو والرابع فقدان الاقتصاد للتنوع والخامس رداءة مناخ الأعمال.
ولمواجهة هذه الأوضاع ينتظر أن تستأنف بعثة صندوق النقد الدولي قريبا مهمة جديدة في موريتانيا للاتفاق مع الحكومة على برنامج جديد يدعم المالية العمومية ويعطي دفعا جديدا لمسار التنمية.
ويؤكد مسؤول موريتاني كبير في وزارة الشؤون الاقتصادية «أن الحكومة الموريتانية لن تقبل أي أمر يقترح عليها إذ أن هناك إجراءات تقشف قد تؤثر سلبا على مستوى حياة ومعاش السكان».
ويؤكد مسؤولون كبار بقطاع الشؤون الاقتصادية في الحكومة الموريتانية «أنهم ينوون خلال المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي التركيز على إجراءات معينة بينها الحد من زيادة كتلة الرواتب، والعمل لخفض الدعم المخصص للمحروقات وللمواد الغذائية التي يأمل صندوق النقد الدولي في اقتصادرها على السكان الأكثر فقرا بحيث تمنح لهم على شكل مساعدات موجهة».
ومن شواغل هذه المفاوضات الحاسمة خفض سعر صرف العملة المحلية «الأوقية» المربوط سعرها بالدولار.
فقد عرض ارتفاع سعر صرف الدولار، العملة الموريتانية المحلية لمشاكل عدة مما جعل الخبراء مقتنعون بأن سعر صرف الأوقية يجب أن يحسب على أساس أسعار صرف سلة عملات بينها اليورو.
ويعاني الاقتصاد الموريتاني من ضعف في مواجهة الصدمات وذلك بسبب عوامل متعددة بينها هبوط كبير ومتواصل في أسعار الذهب والحديد التي لم تعد عائداتها كما كانت في سنوات 2000، كما أن مساهمة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم وضريبة القيمة المضافة في موازنة الدولة لم تصل لمستواها المتوقع. وينضاف لهذا تعليق استثمارات عدة في القطاع المنجمي وهو ما ستتلوه عمليات تسريح واسعة للعمال.
ويؤكد صندوق النقد الدولي أن معدل النمو الاقتصادي لموريتانيا سيتراجع السنة الجارية لحدود 4.5 في المئة مقابل 6.4 في المئة خلال سنة 2014.
ومع هذا فسيكون بالإمكان تعويض جانب من العائدات المفقودة عبر التحكم في أسعار الواردات (المحروقات، المنتوجات الزراعية)، ومعلوم أن موريتانيا بلد مستورد بالكامل، وهذا ما يمكنه من السيطرة على التضخم الذي يجب ألا يصل لمعدل 5 في المئة.
وفيما يتعلق بخطر ازدياد المديونية فإن تباطؤ النمو والاستثمارات يزيدان من ثقل المديونية الخارجية، حيث بلغت المديونية عام 2014 ما يناهز 78.4 في المئة من الناتج الداخلي الخام وهو ارتفاع يعود في الأساس لحلول آجال تسديد القروض الكويتية.
وبالنظر لانعكاس الظرفية مضافا للهشاشة الناجمة عن خفض قيمة صرف العملة المحلية، فإن خطر عدم سداد المديونية سيرتفع من «متوسط» إلى «مرتفع جدا» في سلم المعايير الدولية.
وبخصوص النمو السيء التوزيع فإنه بالرغم من أن الناتج الداخلي الخام حسب كل فرد موريتاني، يشهد منذ 2010 ارتفاعا وإن بشكل غير منتظم، فإن تحسن المؤشرات الاجتماعية يشهد تباطؤا كبيرا، كما أن تحقيق أهداف الألفية للتنمية في مجال الصحة خلال 2015، يعتبر بعيد المنال.
فهناك نسبة تقدر بـ 26 في المئة من الأسر الموريتانية لا تتوفر على أمنها الغذائي، ويتضاعف خطر ذلك بسبب الهجرة الريفية المتواصلة وبسبب الازدياد الديموغرافي في العاصمة نواكشوط الذي يقدر بنسبة 6.44 في المئة للسنة، وتضم العاصمة نواكشوط مليون ساكن وهو ما يمثل ربع سكان البلد.
وينتقد البنك العالمي وصندوق النقد الدولي رداءة توزيع المساعدات المقدمة للموريتانيين الأكثر هشاشة ويعتبران أن ذلك يؤثر على فعالية سياسات مكافحة الفقر التي تنفذها الحكومة.
ومن المشاكل التي تعترض الاقتصاد الموريتاني التباطؤ في تنويع الثروة، فهناك نسبة 70 في المئة من الصادرات و30 في المئة من عائدات موازنة الدولة تعتمد كليا على قطاع المعادن. وتوجد برامج تنويع مصادر الثروة إما على مستوى الإعداد مثل تصدير الكهرباء وإما على شكل برامج صغيرة مثل مشروع معالجة الألبان (الألبان تستورد بالكامل).
كل هذه البرامج لن تنقذ البلد من السيناريو الذي توقعه صندوق النقد الدولي مطلع العام الجاري والمتثمل في هبوط معدل النمو بثلاث نقاط على الأقل خلال سنتي 2018 و2019 في حالة ما إذا نضبت مساهمات القطاع المعدني في موازنة الدولة.
ويقترح صندوق النقد الدولي على الحكومة التخلي عن المشاريع المعدنية والتوجه لتنشيط قطاع الصيد الذي ساهم بنسبة 2.3 في المئة في الناتج الداخلي الخام سنة 2014 مقابل 1.8 في المئة سنة 2013.
وفيما يخص مناخ الأعمال والمقاولات فإن امتصاص الأجيال الصاعدة المتقدمة لسوق العمل يستلزم خلق 200 ألف فرصة عمل بين 2014 و2020 وهي مهمة مستحيلة ما دام من الصعوبة بمكان إنشاء وتسيير مؤسسة أعمال تجارية.
ويؤكد مؤشر «دوينغ بيزنس» التابع للبنك العالمي الذي هبطت موريتانيا في سلمه بثلاث نقاط بتراجعها من المركز 173 إلى 176 بين البلدان الـ 189 المشمولة بالمؤشر، أن مناخ الأعمال في موريتانيا سيئ للغاية.
ويبدو أن الحكومة الموريتانية أخذت في الاعتبار هذا التراجع حيث أنشأت يوم 20 نيسان/ابريل الماضي غرفة للوساطة الدولية والمراقبة داخل غرفة التجارة والصناعة وذلك لإيجاد حلول للنزاعات الدائمة بين الإدارة الجبائية والمقاولين الخصوصيين.
ومن شأن هذه الغرفة الجديدة التي ستبدأ نشاطها مطلع عام 2016، أن تحسن من صورة موريتانيا أمام المستثمرين الأجانب الذين يتزاحمون على قطاع المعادن ويبتعدون عن قطاع الصناعات التحويلية ذي الأهمية البالغة بالنسبة لموريتانيا.
عبدالله مولود