تحقيق بمعطيات صادمة عن أحد أهم مرافق الدولة (أسماء وأرقام)

سبت, 07/13/2019 - 09:43

 تتمثل المهمة الرئيسية المسندة لمفوضية الامن الغذائي في موريتانيا بموجب المرسوم المنشئ لها رقم 192-2008 الصادر بتاريخ 19 اكتوبر سنة 2008 ـ في اعداد وتنفيذ السياسة الوطنية في مجال الامن الغذائي.
وتستمد هذه المهمة أهميتها من حالة الامن الغذائي بالبلاد حيث تفيد معطيات سابقة لبرنامج الغذاء العالمي بيأن أكثر من 12% من الأطفال في موريتانيا دون الخامسة يعانون من سوء التغذية، وأن أكثر من 530 ألف شخص بحاجة إلى الدعم في مجال الغذاء، وذلك في وقت أشارت فيه تحاليل لنفس البرنامج أن نسبة 34% من الأسر (أي أكثر من 530 ألف شخص) يعانون من العجز في الأمن الغذائي، وبأمس الحاجة إلى الدعم الغذائي.
وهي نسب رفعها تقرير مشترك (أنجز لاحقا ) بين البرنامج ومفوضية الامن الغذائي جعل 837 ألف شخص يعانون انعدام الامن الغذائي كما قدر أن مائتي ألف من هؤلاء انعدام الامن الغذائي بشكل حاد.
وللمكانة الخاصة للأمن الغذائي في برنامج الرئيس محمد ولد عبد العزيز المركز على دعم الشرائح الفقيرة والذي استمد منه ابرز شعاراته الانتخابية "رئيس الفقراء" فقد قام بالتركيز على ان تسخر مفوضية الامن الغذائي ( وهو جهاز وجده امامه) في هذا الغرض النبيل، وهكذا أضاف اليها في وقت لاحق برنامج "أمل"، كما استمر في تطوير الأدوار المسندة اليها في عهده لتشمل الى جانب توزيع المساعدات العديد من الأدوار الأخرى مثل: عمليات العون الاستعجالي ـ محاربة سوء التغذية ـ التنمية الجماعية ـ حوانيت أمل ـ مساعدة المنمين ـ عملية رمضان.

امرأة للإنقاذ
أوكل الرئيس عزيز منذ تقلده مهام السلطة في البلاد مسؤولية تسيير المفوضية الى عدة شخصيات كان من ابرزهم :  سيدي أحمد ولد باب، محمد ولد محمدراراة، في حين قام في يوم 22 فبرير 2017 بتعيين أول سيدة تتربع في عهده على راس هذا الجهاز هي نجوى منت الكتاب وذلك في اطار تعيين هذا الرئيس لمجموعة من الكفاءات الشبابية  لدعم حضور شريحتها في تسيير المرافق العامة، وهكذا جرى اسناد إدارة مؤسسات كبيرة لأول مرة الى بعض الشباب كان من ابرزهم نجوى منت كتاب على المفوضية وعبد الله ولد حرمة الله على الإذاعة الوطنية.
وكانت الآمال معقودة من الرئيس وغيره على ان تنجح منت كتاب في انقاذ وضعية الامن الغذائي المتفاقمة بسبب ضعف حصيلة الامطار  في السنة السابقة وذلك بتطوير المفوضية احسن من اسلافها لذين تعاقبوا من الرجال وان تعمل على تسخيرها لما كان الرئيس يريدها له من مهام جسيمة، غير ان تجربة قرابة سنتين على راس هذا الجهاز تكشف عن نتائج كارثية لتسيير  هذا الجهاز تمثلت وحصيلة خاصة من التراجع والتخبط والاستهتار:
تسيير مشبوه
يضع استعراض التسيير المالي للمفوضية الكثير من نقاط الاستفهام والتعجب على ما بنود الصرف ومدى احترام الصرف في نطاق المخصصات، وهو ما يلاحظه ابسط مدقق حيث يمكن له ن يسجل أ ن المفوضية ـ وبحسب ارقام رسمية للخزينة العمومية ـ  التي تحصلت في السنة 2018 على قرابة مليار وتسع مائة وسبعون مليون اوقية، قامت بانفاق مليارين وثمانية وستون مليون اوقية، أي بزيادة قريبة من مائة مليون أوقية على ما هو مخصص لها من اعتمادات،  وذلك حين نقوم بجمع البنود التي تجاوزت فيها الميزانية حدود الصرف الى بنود أخرى اعلن عن ترك احتياطي لم يصرف منها ويتعلق الامر هنا ببنود قليلة الميزانية مثل تدخلات برنامج الغذاء العالمي (ستون مليون صرفت منهاواحد وخمسون مليون)، وبرامج المفوضية ذات الأولوية(خمسون مليون صرفت منها ست واربعون مليون)وكذا البند المسمى تكوين المخزون الوطني للامن الغذئي ( سبع وخمسون مليون صرف منها خمس وخمسون مليون).
غير ان التدقيق في بنود الصرف سيضاعف مبلغ المائة مليون الذي صرفته المفوضة زيادة وذلك بأكثر من 25% من هذا المبلغ (ثمان وعشرين مليون أوقية)، حيث تشير معطيات الخزينة العمومية الى تجاوز السقف الخاص ببند المفوضية نفسها بنسبة 10% حيث تجاوزت المبلغ الأصلي للصرف وهو مليار ومائين وثلاثين مليون الى مليار وثلاث مائة وثمانية وخمسون اوقية أي بزيادة تصل الى مائة وثمان وعشرون مليون اوقية دفعة واحدةّ!.
فيما تثير الصيغة العامة لصرف البنود الستة الكثير من علامات الاستفهام هي الأخرى، حيث نحن امام ثلاث بنود صغيرة بهامش متبقي قليل (برنامج الغذاء العالمي، برامج المفوضية ذات الأولوية ـ  تكوين المخزون الوطني للامن الغذئي) الى بندين تساوى فيهما الانفاق مع المبلغ النخصص (وكالة تنفيذ المشاريع الصغرى لديها اربع وثلاثون مليون ـ والتعاضدية الافريقية لتسيير الأخطار لديها عشرون مليون وخمس مائة وعشرون الف اوقية) الى بند تم فيه تجاوز الصرف كثيرا كما اسلفنا وهو البند المسمى باسم المفوضية نفسها.

فساد ومحسوبية
تم قبل أشهر قليلة تسريب وثيقة عن تفتيش خضعت له المفوضية جرى تداولها على نطاق واسع عبر وسائط التواصل الاجتماعية وكانت محل ادانة وتشهير، اذ كشفت هذه الوثيقة عن وجود اختلالات كبيرة داخل المفوضية وصل الى ما يشبه التشهير بطريقة التسيير الإداري والمالي لهذا الجهاز الهام حيث أكدت بالحرف الواحد أن تسييرها الحالي أدى الى "تدمير المصادر المعبئة من قبل السلطات العليا".. كما وصفت الوثيقة الأخطاء المرتكبة في إدارة المفوضية بالجسيمة والمنافية لآليات التسيير الشفاف، كما ابرزت أيضا أن وعود المفوضة بالتسيير المعقلن فى المستقبل والتعامل بحزم مع الأخطاء، جرى دون اتخاذ أي تدابير بشأن الخروقات التى تم الكشف عنها فى التفتيش الأخير.
ولا يعرف حتى الان لماذا لم يجر التدقيق في الاتهامات الخطيرة التي وجهتها الوثيقة الى القائمين على الجهاز وهل ان الامر يتعلق بتوظيفهم لعلاقات اجتماعية ووساطات لدى جهات نافذة  لاخفاء الموضوع عن الرئيس الذي يعتبر المفوضية واجهة لمشروعه الاجتماعي في محاربة الفاقة في البلد. 
استهتار وفضائح
يفهم من الأرقام التي تقدمها المفوضية منتهى الاستهتار في اهم جوانب تدخلها الخاص بدعم الشرائح الهشة،  حيث تشير المعطيات في هذا المجال ان المفوضية وزعت في  شهر  أغسطس الماضي ابتداءا من ولاية تكانت ما يناهز 5262 طنا تم توزيعها بين 97450 أسرة أي بمعدل 53 كلغ للاسرة الواحدة (سيتقلص المعدل الى 10 كلغ للشخص اذا جعلنا معدل افراد الاسرة 5 أفراد ي أبوين وثلاثة أطفال)  فاذا كنت اليافطة التي تم تحتها هذا العمل  هي مساعدة الاسر الأكثر فقرا فان التساؤل الوارد هنا هو  ماذا ستضمن هذه الكمية الزهيدة لكل هذه الاسر  وهل ستسمن من حاجة او تغني من عوز شخصا ذوي الهشاشة في المناطق الأشد فقرا أو المعوزين أو المنكوبين.
كما تبرز هذه المعطيات الرسمية تراجعا خطيرا في عمل المفوضية بأكثر من النصف عن سابق عهدها وذلك عند مقارنة معطيات التوزيع السابق مع معطيات تخص تدخلات سابقة للمفوضية في عهد الرئيس الحالي حيث أقدمت في فبراير 2012  على توزيع عشرة آلاف وست مائة وستون طنا من المواد الغذائية شملت الأرز والحبوب والزيت والفاصوليا والتمور.. ولعل منتهى الاستهتار في عمل المفوضية الحالي يظهر في التدخل الذي قامت شهر يوليو الماضي في قرية الزرافيات التي سجلت فيها حالات وفاة نتيجة سوء التغذية ، حيث نجد أن تدخل المفوضية (الموثق بالصورة) اقتصر على منح الاسرة الواحدة  ثلاث خنشات من المواد الغذائية و20 لتر من الزيت أي 150 كلغ ، فحتى في هذه الحالة الحرجة  نجد المفوضية تعلن عن سقوط أخلاقي مدوي بتدخل من هذا النوع في قرية انتشر فيها سوء التغذية بين الأطفال والشيوخ والنساء الحوامل. 
ولم يقتصر الامر بالمفوضية على الاستهتار وحده بل وصل الى ظهور فضائح  لها تخص المواد التي تقوم بتوزيعها او بيعها ولعل من ابرز تلك الفضائح  قيامها شهر مايو 2018 ببيع اعلاف منتهية الصلاحية للمنمين وذلك في اطار برنامجها لبيع الاعلاف الامر الذي دفع المنمين  الى الاحجام عن شرائها خوفا من تكرر تجربة النفوق الذي أصاب مواشيهم 2014 بعد ان تناولت  موادا مشابهة.
توقيع
تشير كل المعطيات التي قدمناها في هذا التقرير ان مفوضية الامن الغذائي تشهد اسوا فترة لها من حيث التسيير المالي والتدخل والمصداقية لدى الشرائح الهشة ومختلف الأوساط الاخرى، وهو ما يجعلنا نطالب بان يخضع هذا الجهاز الهام للتقييم والتدقيق لجعله يستعيد دوره المحوري في ضمان الامن الغذائي للبلد بصورة تقيم المشاكل والاخطار وتحاسب من توكل اليهم مسؤولية ادارته على التجاوزات التي يقومون بها ثناء فترة التسيير.