الربا شل الإقتصاد وباعد ذوي الأرحام

اثنين, 02/29/2016 - 18:47

الربا عمل شنيع يرتكز على معاملة إقتصادية، تفضي لربح دون مبرر مشروع، وقد عمل به منذ زمن سحيق، وساهم إلى جانب تصرفات أخرى، في شقاء جزء كبير من البشرية، لإصرارها عليه أو  غيره من الآثام. فتأثر الرابح والخاسر  على السواء، وقد وصف القرآن الكريم حال صاحب الربا في الآخرة، بقوله جل شأنه: " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس".  ولعل بعض هذا المس والإضطراب والتخبط وعدم الإستقرار النفسي والعقد المتنوعة، بعض حال أهل الربا عموما في الدنيا قبل الآخرة. وقد إعتبر صلى الله عليه وسلم، أن ممارسة الربا أشنع ممن زنا 38 زنية بأمه في الكعبة، والعياذ بالله تعالى. وآذنهم ربنا بالحرب إن لم ينتهوا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين  فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون  وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون  واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".   في بلادنا حلت البلوى منذ زمن بعيد، وإستفحل الأمر في فترة الدولة المعاصرة بعد الإستقلال، عند تكريس القانون الوضعي الغربي، الفرنسي بوجه خاص، وقامت البنوك الوطنية إسما، الربوية حقيقة، مهما رفعت أحيانا من شعارات خداعة. فتجدهم يرابون رغم ما يرفعون والعياذ بالله من شعار كاذب "معاملات إسلامية". وكأن الأمر متاح بسهولة ودون حياء أو حرج، فأغرقوا أنفسهم وفتنوا الجميع تقريبا، فلا تكاد تجد شخصا يعامل في سوق المعاملات الواسع في يومنا هذا سليما من الربا، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم، لأنه في آخر الزمان، إما أن تصاب مباشرة بالربا أو بدخانه على الأقل. فعلا لأن حريق الربا شمل العالم أجمع تقريبا والعياذ بالله تعالى. اللهم سلمنا من الربا وأهله وموائدهم ومجالسهم ومالهم وصحبتهم، وأبعدنا من كل شر حقير أو كبير، وقربنا من كل خير دنيوي وأخروي، اللهم آمين. اللهم أبرأ إليك من أهل الربا وأسألك هدايتهم إلى التوبة النصوح، وإبتعاد المسلمين جميعا عن هذا الإثم العظيم. في الفترة الأخيرة، ما بين 2014 و2015، صادرت البنوك الموريتانية، ما بين2000 إلى 3000 سند عقاري ذي بال في عموم البلد ونواكشوط بوجه خاص. وقد أثرت هذه المعاملات الربوية، وخصوصا في ميدان الرهن العقاري، وهو الأساس لمعظم المعاملات بين البنوك وزبنائهم المتهورين المغرورين. أقول أثرت هذه المعاملات بصورة عميقة، على الإقتصاد الوطني وباتت تهدد المجتمع بمستوى كبير من الصراع والكراهية والجفاء، حتى بين أبناء العمومة، من أكثر المجموعات عراقة ومحافظة، إلى وقت قريب على الأقل. وسط مباركة من القضاء التجاري الإستعجالي، حيث ألغي القانون22-93، الذي كان معمولا به زمن معاوية، والذي كان أخف على الزبناء، ونعني بوجه خاص أصحاب الرهن العقاري، ليحل محله القانون الحالي المثير للجدل052-2011، والذي يعتبره بعض القضاة جائرا بالمقياس القانوني الصرف، كما يرى نفس الرأي بعض المشرعين أو البرلمانيين بعبارة أخرى. هذا القانون يصدق المعطيات المختلفة التي يقدمها البنك عن الزبون، ليلجأ القضاء في المقابل وفوريا بعد طلب مصالحة شكلية بين الطرفين للحكم على الراهن لصالح المرهون له "البنك" وتقديم العقار دون تحر لسعره الحقيقي للمزاد العلني، وبهذا ضاعت حقوق كثيرة وقطعت أرحام شتى، في طيات الملفات البنكية السريعة المفبركة أحيانا، بحجة أن فلان لم يسدد، فيصادر عقاره، دون تحر كما قلت سابقا للأصلح والأنسب للطرفين، دنيا وآخرة، ودون قبول شفاعة شافع أو وساطة ناصح. وقد صادر، حسب بعض المعلومات المطلعة، البنك الشعبي الموريتاني "الرئيس المدير العام لهذا البنك ولد ابنو" عقارا في نواكشوط على سبيل المثال لا الحصر، قرب سوق العاصمة وقيمته في السوق العقاري، حسب مصدر مطلع200 مليون أوقية، بينما صادره البنك الشعبي "BPM مقابل دين على المعني قدره فقط تسعة عشر مليون أوقية. وتذكر مصادر قريبة من الزبون الحضرامي ولد دداهي ولد أحمد الطلبه، صاحب حساب مصرفي لدى البنك الوطني لموريتانيا BNM، إن عقاراته تبلغ قيمتها ثلاث مليارات ونصف مليار أوقية، بينما حكمت المحكمة التجارية بنواكشوط بحكم قضائي استعجالي يقضي بتقديمها للمزاد العلني لتسديد ديون البنك المذكور، والتي تزيد بقليل على 554 مليون أوقية "554758187.27 أوقية. ومن الجدير بالذكر أن إبن خالي عبدو محم الحضرامي ولد دداهي ولد أحمد الطلبه، جمع إلى جانب عقاره المرهون عقار قريبه عبدو ولد محم من خلال تقديم سندين عقاريين للرهن مقابل الديون المذكورة، والتي تفاعلت بدفع من الفوائد إلى القدر المحدد سابقا، وتحمل السندات عبدو محم والحضرامي الرقمين على الترتيب:1378 و4133، كل ذلك في حي عقاري ذي قيمة، على طريق شارع "باميس" المقر، منزل عبدو محم خلف اتحاد أرباب العمل الموريتانيين، أو مقابل المطافئ تقريبا، ومنازل الحضرامي ولد أحمد الطلبه غير بعيد من نفس الموقع. كل هذه العقارات ذهبت مقابل ديون متواردة، بنسبة فوائد لا ترحم، ويدعي أصحاب البنك في المقابل أنهم أصحاب دين مستحق منذ سنوات، تأخر بسبب المماطلة وعدم تسديد هذه الديون المستحقة، وأن القضاء قام بعمله فحسب، بدقة ومهنية. بينما يدعي الطرف الآخر من مصدر مطلع دون أن يصرح للأقصى، أنه غبن وظلم. وبعيدا عن الجدل أنبه الرأي العام أن هذه المعاملات المصرفية الربوية بإختصار، قد تدمر في وقت قريب، لا قدر الله، المجتمع وإقتصاده الهش أصلا، إن لم تحرم بتاتا، وطبعا هي محرمة عند الله ومباحة عند الناس، للأسف البالغ. فما لهذه الدولة، المريضة، تتناقض مع نفسها. تعلن إسلاميتها دستوريا وكتابيا ويعلن زعماؤها المتعاقبون أن الشريعة والإسلام دينهم ومنبعهم التشريعي. ومع ذلك يخالفون ما هو معلن واقعيا وعمليا، ويشرعون قوانين تصادر عقارات الناس على إختلاف مستوياتهم وحالاتهم، دون رحمة أو حساب صحيح وحتى لو كانت العملية كلها مبنية على الربا، لتصبح المحصلة "الربا +الظلم". سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ألم يحن الوقت لمراجعة هذا القانون المثير052-2011 والذي تستند عليه الأحكام التجارية الإستعجالية، الصادرة عن المحكمة التجارية بنواكشوط. ألم يحن وقت تحريم الربا بإختصار، وما ينجم عنه من ديون حرام، غير ملزمة شرعا حسب فتوى بعض العلماء، للرجوع إلى شرع الله في كل دانق ومتوسط وكبير وغيره. اللهم رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. كان عبد الله ولد نويكظ رحمه الله على علم بديون عبدو محم لدى البنك الذي يديره نجله، وكان يتفادى مصادرة منزل عبدو محم المرهون مقابل الدين، هذا المنزل ذي الثمن والقيمة المادية المعنوية المتعددة. أصحاب رحم وشأن متقاربون، شكليا، متنافرون فعليا وواقعيا إلى حد بعيد، بسبب الربا والعياذ بالله. أليس في هذا عظة وعبرة للجميع. للبنك حجة ولأصحاب العقارات المصادرة حجة والأمر كله يرجع إلى الله، فلله الأمر من قبل ومن بعد. فهل نقول لهم بعد ضياع أموال الجميع تقريبا، إرجعوا إلى ربكم وتصالحوا ما إستطعتم. أجل، مهما حصل من خسائر، فالفرصة بإذن الله قائمة للتوبة النصوح، ما لم تصل المنية إلى مرحلة "الغرغرة". إتقوا الله وأقلعوا عن الربا فوريا، لتحفظوا ما بقي من أموالكم وأرحامكم، بعد الإبتعاد عن كل الربويات والإحتفاظ بأصل المال فحسب لمن أراد أن يتطهر وقليل ما هم. وللتذكير بني دار عبدو محم تقريبا سنة 1973 وقد ملك عقارها الكبير قبل ذلك، واليوم يهدد فعليا بالخروج من هذه الدار، لا قدر الله بسبب الديون المتواردة، فلجأ لتقديم السند العقاري للدار المذكورة، والتي تضم مكاتب متعددة، مقابل البراءة الكلية من ديون BNM، هذا البنك الذي سلمه قبل وقت معتبر براءة من الديون بعد أن قدم الدار للحضرامي ولد أحمد الطلبه لإضافتها لملف ديونه لدى المصرف المذكور وليصبح الملف ملفا واحدا بمبلغ 554 مليون أوقية، وبعد تقديم الشكوى من طرف البنك ضد الحضرامي، حكمت المحكمة على الزبون ببيع عقارات السندين السالفي الذكر. وعندما لا تباع هذه العقارات بهذا المبلغ، يتولى البنك إستلام العقارات المحددة مقابل الدين، ودون أن يتم البحث عن القيمة الحقيقية للعقارات المعنية، أي بإختصار دون خبرة تحدد بأمانة وموضوعية القيمة الحقيقية للعقارات، للأمان من الغرر، وهو العلة الرئيسية لتحريم كل ممارسة ربوية. إذا، حصل الضرر للبنك بتأخير تسديد ديونه الأصلية، وإن كان المبلغ في الأصل بعيد عن المبلغ المحصل، جراء الفوائد الخيالية، كما حصل بداهة للزبناء الغرر والضرر الواضح، من خلال الفوائد ومصادرة عقاراتهم بما لا يرضون وبما لم يحدد علميا أنه القيمة الحقيقية لعقاراتهم وأموالهم المصادرة عموما. ومن وجه آخر، وللتذكير، كان هذا المنزل التاريخي محل الجدل، منزل عبدو محم المهدد بالمصادرة الكلية إن لم تحصل مستجدات أخرى، أقول كان من أعرق منازل نواكشوط، منذ مطلع السبعينات، حيث شهد الكثير من أعمال البر والشأن العام، ويجاوره مسجد تقام فيه الصلوات الخمس. ومكانة عبدو محم وطنيا وإقليميا معروفة حيث قدم الكثير من المساعدة والنفع العام والخاص، لصالح الدولة والمجتمع وآخرين من دول أخرى، حسب الشهادة المتواترة للكثيرين.

 فنرجو من الله أن يكون ممن خلط عملا صالح وآخر خلافه ربما ليتقبل الله منه الأول ويزيده ويغفر غيره له ولغيره ممن دخل في هذا الباب المحرج ورفع شأنه الصالح في الدنيا والآخرة وتقبل منه ومن سائر المحسنين. كما مارس الرجل المذكور، العمل التجاري في دول عدة مجاورة في الإقليم الإفريقي والعربي وبعيدة أحيانا في قلب أوروبا وغيرها، ضمن محاولات متعددة وشبكة علاقات واسعة متنوعة وثرية، أفادت المجتمع والوطن بإذن الله. اللهم ألهم الجميع التصالح والتقارب وألهمنا وألزمنا جميعا المحجة البيضاء والبعد عن الربا وكل ما يخالف الشرع الإسلامي الحنيف. ما من صواب فمن الله وما من خطإ فمني. وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه

 

 

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

 المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى